ولكن هذه الاحتمالات ليس هي الغالب في أحوال القرينة كما أنها ليست الغالب في الإقرار والبينة. والشارع الحكيم قد عول على الظاهر ودلالة الحال في مواطن كثيرة لا يمكن تجاهلها منها ما ذكرنا ومنها مالا يتسع المجال لذكره. والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول:"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان"[٥٢] . فجعل الشهادة على إيمانه مبنية على الظاهر من حاله وهو ارتياد المساجد. وما الحكم بعدالة الشهود إلا بناء على الظاهر من حالهم، فالغالب من الأحوال أن الظاهر يطابق الواقع. أما الاحتمال فهو في حيز التوهم، فيجب ألا نلقي بالتعويل على القرائن لمجرده. ثم إننا بهذا القول الذي نطلب فيه من القاضي النظر إلى القرائن والأمارات نشترط عليه إمعان النظر والفكر والتثبت فلا يحكم بالقرائن الضعيفة المتهافتة التي لا يقوى بها الظن على ظهور الحكم. فلا بد أن يؤسس حكمه على قرائن ظاهرة يتبين فيها وضوح الدلالة وقوة الحجة بحيث يكون مطمئنا لذلك الحكم منشرح الصدر.