للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول السنهوري عن الجانب الآخر من عقد التأمين - على حد تعبيره- "إنه يبر ز التأمين في ثوبه الحقيقي ويبين أنه ليس إلا تعاوناً منظما تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعاً لخطر واحد حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضرارًا جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به منهم لولا هذا التعاون, وشركة التأمين ليست في الواقع من الأمر إلا الوسيط الذي ينظم هذا التعاون على أسس فنية صحيحة ... فالتأمين إذاً هو تعاون محمود, تعاون على البر والتقوى يبر به المتعاونون بعضهم بعضاً ويتقون به جميعاً شر المخاطر التي تهددهم فكيف يجوز القول بأنه غير مشروع؟ " [٢٧] .

وقد استند على قول السنهوري هذا كل المشاغبين على مسألة وجود الغرر في عقود التأمين.

فهذا مثلاً علي الخفيف يقرر نفس المعنى في بحثه عن التأمين [٢٨] . وكذا محمد سلام مدكور حيث يقول: "إن شركات التأمين تقوم بدور الوسيط بين الأفراد المتعاونين" [٢٩] . والزرقا حيث يقول: "إن التأمين قائم على فكرة التعاون على جبر المصائب والأضرار الناشئة من مفاجآت الأخطار" [٣٠] .

ولو سلمنا القول بما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله فلا يصلح مستنداً لما ذهبوا إليه البتة لأنها لا تصح أبداً دعواهم أن عقد التأمين من قبيل التبرعات بل هو عقد معاوضة محضة ويتضح ذلك من التعريف القانوني لعقد التأمين [٣١] .فليس هناك شك أن عقد التأمين عقد معاوضة بين متعاقدين يلتزم بمقتضاه كل منهما بعوض مقابل ما يلتزم به الآخر وإذا كان كذلك فلا يجوز في مذهب من المذاهب الفقهية ما في عقد التأمين من غرر كثير وكبير ولا تعدو هذه الدعوى أن تكون مغالطة بعيدة عن الواقع الحقيقي لعقد التأمين.