للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أمر أمير المسلمين بضرب الطّبول، وزعقت البوقات، فاهتزّت الأرض، وتجاوبت الجبال والآفاق (١) . ودوّت: "الله أكبر"وأشعل النار في المعسكر القشتالي، فطار لبّ الفونسو، واضطّربت قلوب النّصارى، وعادوا إلى محلّتهم بغضب، فصدموا جيش أمير المسلمين، فأفرج لهم عن محلتهم، ثم كر ّعليهم، فأخرجهم منها، ثم كرّوا عليه فخرج لهم عنها، ولم تزل الكرّات تتوالى في خطة محكمة لأمير المسلمين لإضعاف فرسان النّصارى، وإنهاك رجّالتهم، تمهيداً للقضاء عليهم جميعاً، وفي أثناء ذلك جمع جيش الأندلس شتاته وعادت إليه معنوياته فتحوّل مع الأرْسال المرابطيّة وفرسانهم إلى الهجوم المضادّ، فوقع الجيش الصّليبي بين مطرقة المرابطين وسندان ابن عباد.

وقدّم ابن تاشفين الجمال حيث كان لها نفع عظيم، إذ كانت خيول فرسان النصارى تجفل منها، وتلوي أعناقها عندما تسمع رغاءها، لعدم تعوّدها على رؤيتها. كما كان لقرع الطّبول أثر في تخلخل أفئدة النّصارى. فتوالى استنزاف قوّة النّصارى. ويوسف يحمل بنفسه وهو على فرسه يرغب في الصبر والاستشهاد ويقول بأعلى صوته:

"يا معشر المسلمين، اصبروا لجهاد أعداء الله الكافرين، ومن رزق منكم الشّهادة فله الجنّة، ومن سلم فقد فاز بالأجر العظيم والغنيمة". وتمتّع المسلمون بمعنويّات عالية فقاتلوا قتال من يطلب الشهادة ويتمنّى الموت (٢) ، وكانت كلمات يوسف مع بسالته تعمل عملها في إذكاء حماس المسلمين، وقيل إن لصموده وقوته وسرعة حركته، قتلت تحته في هذه المعركة ثلاث أفراس (٣) .


(١) انظر: نفح الطيب جـ٤ ص ٣٦٦- ٣٦٨ عن ابن خلكان جـ٦ ص ١١٦ وهو ينتقل بدوره عن كتاب تذكير العاقل وتنبيه الغافل للبياسي.
(٢) روض القرطاس ص٩٥.
(٣) التواتي ص ٢٩٧.