قال الحافظ ابن حجر: إلى الثاني ذهب بعض الشافعية- أي أنهما في البر سواء- لكن نقل الحارث المحاسبي الإجماع على تفضيل الأم في البر [٤٤] ، وفيه نظر والمنقول عن مالك ليس صريحاً في ذلك، فقد ذكره ابن بطال قال:"سئل مالك، طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال: أطع أباك ولا تعص أمك". قال ابن بطال: هذا يدل على أنه يرى برهما سواء كذا قال، وليست الدلالة على ذلك بواضحة [٤٥] . هذا جزء مما ذكره الحافظ في هذا الموضوع ومن يرغب في الاستيعاب فعليه بمراجعة المصدر وليعلم أن السنة تزخر بالحث على بر الوالدين، ليس في حياتهما فحسب بل بعد موتهما، قال أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه:"بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما"[٤٦] . وكما أن الكتاب العزيز ربط شكر الوالدين بشكر الله عز وجل، كما تقدم بيانه، كذلك السنة النبوية ربطت رضى الوالدين برضى الله عز وجل، وسخطهما بسخطه عز وجل قال الترمذي رحمه الله: حدثنا أبو حفص عمر بن عل [٤٧] ، حدثنا خالد بن الحارث [٤٨] ، حدثنا شعبة [٤٩] ، عن يعلي بن عطاء [٥٠] ، عن أبيه [٥١] ، عن عبد الله بن عمرو [٥٢] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رضى الرب من رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد"[٥٣] . وقد أكثرت السنة من التنويه بشأن الوالدين وعظم حقهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك في كل مناسبة. ولاشك أن من قصر في حق والديه لا يرجى منه خير للإسلام، ولا للمجتمع، ولا للأمة، جعلنا الله هداة مهتدين، ورزقنا بر الوالدين، والسير على نهج خير المرسلين.