للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الآثار إذا انضمت إلى مرسل الأوزاعي تجعله صالحا للاحتجاج به وإن لم يكن عليه وحده الاعتماد، ومن المعلوم أن العينة عند مستحلها إنما يسميها بيعا، وفي هذا الحديث والآثار الشاهدة له بيان أنها ربا لا بيع، فإن الأمة لم يستحل أحد منها الربا الصريح، وإنما استحل باسم البيع وصورته، ومن الواضح أن الربا لم يحرم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حرم لحقيقته ومعناه ومقصوده، وهى قائمة في الحيل الربوية كقيامها في صريحه سواء، والمتعاقدان يعلمان ذلك من أنفسهما، ويعلمه من شاهد حالهما، والله يعلم أن قصدهما نفس الربا، لكنما توصلا إليه بعقد غير مقصود وسمياه باسم مستعار، فإن الله سبحانه حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاج، وتعريضه للفقر الدائم، والدين اللازم، وتولد ذلك وزيادته إلى غاية تجتاحه متاعه، وتسلبه أثاثه، كما هو الواقع في الشاهد، فمن تمام حكمة الشريعة الكاملة المتضمنة لمصالح العباد تحريمه وتحريم الذرائع الموصلة إليه كما حرم التفرق في الصرف قبل القبض، وأن يبيعه درهما بدرهم إلى أجل وإن لم يكن هناك زيادة، فكيف يظن بالشارع مع كمال علمه وحكمته أن يبيح الحيل والمكر على حصول هذه المفسدة ووقوعها متضاعفة بصورة عقد يتوصلان به إليها.

وأنت إذا تأملت الحيل المتضمنة لتحليل ما حرم الله سبحانه وتعالى، وإسقاط ما أوجبه، وجدت الأمر فيها كذلك، ووجدت المفسدة الناشئة منها أعظم من المحرمات الباقية

على صورها وأسمائها، والوجدان شاهد بذلك، فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله، ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق، إلى شرعه ودينه، وأنه يحرم الشيء لمفسدة ثم يبيحه لأعظم منها، ولهذا قال أيوب السختياني " يخادعون الله كما يخدعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون " [١١٠] .