للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: في الآية الكريمة دليل على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف أو المتحيز، وأنه من كبائر الذنوب كما جاء في الحديث، قال العلماء: هذا إذا لم يكن العدو أكثر من الضعف، لقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} [١١٧] ، أما إذا كانوا أكثر فالثبات مستحب والفرار جائز فليست الآية باقية على عمومها، قال الشافعي رحمه الله: "إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة " [١١٨] .

ووجه دلالة الآية على الحيلة أن كلا من التحرف والتحيز حيلة ظاهرها الهزيمة والفرار وباطنها والمقصود منها التمكن من الكفار على أبلغ وجه، وذلك إما بالكر بعد الفر، وإما بتقوية الانحياز إلى الفئة الأخرى حتى يكون النصر أرجى.

وهذه حيلة جائزة مشروعة، بل واجبة إذا رؤي منها أنها تدفع الهزيمة وتحقق النصر على الأعداء ولما يترتب عليها من إعلاء كلمة الله، وتقوية المسلمين، وإذلال المشركين.

وهذه الحيلة من باب المعاريض في الفعل، كما أن قوله صلى الله عليه وسلم لطلائع المشركين وقد سألوا عن المسلمين: ممن أنتم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: "نحن من ماء "فتدافع القوم وقالوا: أحياء اليمن كثير، من باب المعاريض في القول، وكلاهما جائز، بل واجبان إذا ترتب عليهما دفع ظلم عن الإسلام والمسلمين، وحد الحيلة منطبق عليها تمام الانطباق، فإنها إظهار فعل لغير مقصود أو إظهار قوله لغير مقصوده، بحيث يتوهم الناظر أو السامع غير ما يقصده الفاعل أو القائل.

ثم إن ضروب الحيل والخداع في الحرب معروفة قديما ولا تكاد تنحصر، والآية وإن اقتصرت على التحرف والتحيز لفظا