وقد اجتمعت فيه أشياء جملة: التهجّم بالتخطئة، وعدم اطراد العلة، والقصور في الاطلاع، وخلط الأقسام في الاستدلال، والتناقض في المقال.
أما التخطئة بالتهجم فلأنه غلّط كثيراً من المصنفين في العلوم والشعراء وهم في ذلك على صواب.
وأما انكسار العلة فلأنه جعل علة دخول الباء كون المحل معوضاً منه ذاهبا، وعلة التجرد منها كونه عوضا حاصلا، وقد ظهر مما تقدم نقلا من كلام الأئمة وسماعا من كلام العرب أن التبديل يكون بمعنى التغيير، وبمعنى القلب والتحويل. ومن المعلوم أن المغير والمحّول إنما هو المعوض منه الذاهب، وقد سلفت شواهد ذلك. وكيف يطرد له ذلك في مثل قوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وإنما معناه تحول هذه الأرض إلى غيرها، أو تغير حالها. ومثل ذلك قول جرير:
أبُدِّلَ الليلُ لا تَسْري كواكِبُه
أمْ طالَ حتى حَسِبْتُ النَّجْم حَيْرانا
أي أبدّل الليل غير الليل، لأنه قد عاد له بقوله:"أم طال"أي أم بقي لكنه طال.
وأما القصور في الاطلاع فلأنه لم يقف على كلام الأئمة في معنى التغيير والقلب على شهرته وكثرة شواهده. وقد استشهد بطريقته بنظم بعض علماء الشعر كأبيات حبيب، وغابت منه شواهد القرآن، ومن شعر حبيب وأبي الطيب والمعري وغيرهم ما هو كثير صريح في خلاف قوله.
وأما خلطه الأقسام فلأنه جعل أبدل وبدّل وتبدل واستبدل المتوجه على العوض خاصة. وعليهما مع محلهما الذي تعاقبا عليه، كلّ ذلك على سواء في التعدي الذي وصفه. وقد ظهر في التقييد بون ما بين بدّل وأبدل وسائر الأبنية سماعاً من العرب، ونقلا من كلام علماء اللسان. وكذلك البون الذي بين بدّل وأبدل متوجهن على العوضين خاصة، أو عليهما مع محلهما.