واشتهرت طرسوس كسائر أمصار الإسلام بالربط، وكانت تتخذ ملجأ للفقراء، والزهاد، ومنازل للعلماء، والطلاب الراحلين لطلب العلم أو نشره، ومكاناً لتعليم القرآن الكريم، والحديث، والوعظ. وتخرج الدعاة والمجاهدين. وقد عجّت المدينة بالمرابطين الغزاة والصالحين، الذين وردوها محتسبين لله، وتحملوا عبء الجهاد، وحملوا شرفه إلى جانب أهل طرسوس المرابطين. اذكر منهم إلى جانب من ذكرنا:
ابن القاصّ الطبري- أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، فقيه طبرستان، صنف كتباً كثيرة صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة. وكان يعظ الناس، وضرب بنفسه المثل، فسافر إلى طرسوس، وأصبح فقيهها، وتوفي مرابطاً بها. وكان يملي الحديث على تلاميذه، بالمسجد الجامع [٢٢٨] .
ووردها إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف [٢٢٩] . وعبد الله بن المبارك الذي كان كثير الاختلاف إلى طرسوس [٢٣٠] وأظهر فيها من ضروب الشجاعة في الجهاد، وأملى عام ١٧٧ هـ قصيدته المشهورة بطرسوس على محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض وفيها:
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الأطيب
والقرآن أتانا من مقال نبيّنا
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف
امرئ ودخان نار تلهب [٢٣١]
هذا كتاب الله ينطق بيننا
ليس الشهيد بميت لا يكذب
ولما وصل كتابه إلى الفضيل في الحرم المكي، قرأه وبكى، ثمّ قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. والأبيات تصور حياة طرسوس المجاهدة أجمل تصوير. وسمع بعضهم ابن المبارك وهوينشد على سورطرسوس [٢٣٢] :