غير تقرير حقيقة. ودراسة قصيدة أنشأها حافز وباعث مادي مَحْضٌ جديرة أن تكشف للنقد عن فعاليّة الرغبة الحاشدة في صناعة قصيدة المديح وفي تحبيرها إذا كان ثمة تفاعل إيجابي وتبادلٌ موضوعي ما بين المنتج والمستورد، ما بين الشاعر والممدوح.
بناء القصيدة
تَعدُّ هذه الهمزية في مدح عقبة بن سلم أربعة وخمسين بيتاً، فهي أجنح إلى الطول. ولا تنحو قصائد المدح في العصر الأموي والإسلامي والجاهلي، في الغالب، غير هذا المنحى: فالإطالة في هذا الفن مطلوبة، وبشار بن برد يسير فيها على منهج مطروق. وعلى هذا فالذين يستصدرون المدح من الشعراء، باعتبارهم نقاداً عمليين، أصحاب حق في التقويم وإصدار الأحكام وتكييف القصيدة وفاق مطالبهم، لما لهم من إسهام مادي في ابتعاث هذا الشعر واستصداره، هؤلاء الممدَّحون كانوا يرون أن قصيدة المدح في العصر العباسي الأول لا ينبغي لها أن تقلّ كمّاً عما كانت عليه من قبل.
فهل كان هذا العُرْف الأدبي قاصراً على الحجم والكم أو أنه ينسحب على الهيكل التخطيطي للقصيدة؟
من اليسير أن نلمح أن بشاراً بنى قصيدته من قسمين متساويين عِدَّةَ أبيات: المقدمة فالمديح، كل منهما سبعة وعشرون بيتًا.
هذا التوازن الدقيق لا نكاد نقع عليه فيما نظم من قبل، فهل كانت المقدمة تعدِلُ "الغرض"أهمية وقيمة فنية عند بشار؟ إن اعتراضاً كميّاً ما على هذه المقدمة ونظائرها لا نعثر عليه في معرض من معارض النقد العابر أو المقصود، وإن موافقة ضمنية على هذا التناظر متحققة ما بين المادح والممدوح والجمهور. فما الدوافع الفنية أو الذاتية فيما وراء هذا التعادل؟
إن دراسة المقدمة قد تخرج لنا مفاتيح تعليلية مقبولة.
المقدمة
والمقدمة قسمان يتفاوتان عدد أبيات تفاوتاً ملحوظاً، والقسم الأول في الغزل، وعدد أبياته اثنان وعشرون بيتاً والقسم الثاني في وصف الصحراء، والرحلة والناقة، وهو خمسة أبيات.