مرةً مدح زهير بن أبي سلمى - في معلقته - زعيمين من غطفان فجعلهما خير العدنانين قاطبة:
رجال بنوه من قريش وجرهم [٤٩]
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
على كل حال من سحيل ومبرم
يميناً لنعم السيدان وجدتما
ومن يستبح كنزا في المجد يعظم
عظيمين في عليا معد هديتما
ولكنه ذكر كفاء قسمه وبرهانه بأن هذين السيدين أعادا السلام الذي أضاعته الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، واشترياه بحُرِّ أموالهما حقناً للدماء، وهي مأثرة لا يحرزها إلا عظيم النفس نبيل المقصد حقاً.
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشسم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
بمال ومعروف من الأمر نسلم [٥٠]
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً
فإذا الوقائع تعطي الثناء مصداقية غير مدافعة.
ويعود بشار بالمدح، بعد تلك الصورة الإثباتية للعطاء، إلى المثل العليا التي لا تزال ثرينة الشجاعة والكرم:
- اكتسابُ حسن الذكر والتباعد عن الذم (البيت ٤٩) ولعل الشاعر يُلوِّح لممدوحه، من وراء هذا البيت، بالقيمة الحيوية لشعره فيه لينفرّه من الوجه المضاد للمدح ألا هو الذم. فإن صح هذا الاستشفاف للمرمى البعيد كان الشاعر يقف من وراء معناه وقفة البائع المُدِلّ ببضاعته أو الكميّ الواثق بسلاحه.
- علو كعب الممدوح في الخطابة وضراوته في الحرب (البيت ٥٠) والخطابة صفة ووسيلة قيادية، والبيت مؤشر على حرص ذوي القيادات على أن يذكروا بهذه الفضيلة البيانية - في القرن الثاني الهجري - وبأنهم يجمعون بين حدّة السنان وبلاغة اللسان.
- نشر العوائد على الشاعر والمسارعة له ولكبار الرجال بالعون (البيت ٥١) .
- وفي البيت "٥٢"يعود إلى الجمع ما بين الشجاعة والكرم في بيت واحد نظير ما صنع في كل من الأبيات الثلاثة "٣٦ - ٣٨".