للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ومن البيت "٥٢ "ينسل البيت "٥٣"صورة ميدانية للشجاعة إحدى السجيتن، فالخلال الفطرية الممتازة في الممدوح يوظفها صاحبها في الحفاظ على الدولة، في الوفاء بالمسؤوليات الكبرى. وتكتسب الشجاعة في هذه الصورة مضموناً فخما ضخماً يوازي عظمة المسؤولية.

– ولعله أرهص بالبيتين "٥٢ - ٥٣" لبيت الختام "٥٤"إذ ألف فيه مرة أخرى ما بين الفضيلتين الأم: الشجاعة والكرم، كل منهما في شطرها صيغة موفقة من التحية الهادئة للمعطاء المقدام:

وإذا سار تحت ظل اللواء

٥٤ - فعلى عقبة السلام مقيماً

وهو ختام - كما نرى - منحدرٌ من صلب السياق المدحيّ مركز لعُمْدتيه - الكرم والشجاعة - في تقسيم معجب وإخراج متفوق.

ولكن هذه الأبيات الستة الأخيرة من القصيدة يشكو بعضها من قلق ملحوظ في موضعه أو ترتيبه، فالبيت "٤٩ "أولى به أن يلي البيت "٣٧" فهو له كالرديف وبينهما وشيجة معنوية متينه، وخير للبيت "٥١"أن يلي البيت "٤٨"ليكون تذييلاً جامعاً لعشرة أبيات قبله، وإذا توخينا الدقة في الترتيب ومراعاة الصلة ما بين الأبيات حسن لدينا أن نجعل البيت "٥٣"بعد البيت "٥٠"وبذلك تتلاقي نظائر متشاكلة. ولا يحق لناقدٍ أن يعزو الاضطراب في الترتيب في هذا القسم لشاعر حاذق ثاقب الفكر والنظر مثل بشار بن البرد إذ لا سبيل إلى القطع أن ترتيب القصيدة في ديوانه المطبوع هو الترتيب الذي روي عنه، وليس تجنياً أن تتحمل الرواية شيئاً من مسؤولية الخلل.

التقويم النقدي

(١) عمود شعري مُعدَّل:

يحق لنا أن نحكم مبدئياً بأن العمل العقلي، والتأهب والاحتشاد للعمل الفني يهيمن على بناء هذه القصيدة في المدح. وهي قصيدة رسمية ذات عمود مرسوم. ويؤيد جانب التهيؤ والإتقان المقصود اتخاذ النقد في عصر بشار من قصيدة المدح معياراً لمكانة الشاعر فلا يعد من شعراء القمة إلا إذا تفوَّق في هذا الغرض تفوقاً ظاهراً [٥١] .