فهل نقول أن القولين متناقضان؟ كلا لأن الرأي الأول ورد بسند صحيح، أما الرأي الثاني فهو ضعيف فيه عطاء الخراساني: صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس ولم يلق ابن عباس، وكذلك سند النحاس فيه حميد الأعرج وهو ضعيف وأخرجه ابن مردويه أيضاً بسند ضعيف.
الوجه الثاني: نقله عن (جولدتسيهر) اليهودي في قوله: وقد ورد (في هذه النصوص) أيضاً اسمان ليهوديين أسلما هما كعب الأحبار وعبد الله بن سلام.
لم يبين لنا هذه النصوص ولعله أراد هذه النصوص التي أشار إليها وذكرتها آنفا عن الطبري، فإن لم يقصد هذه النصوص فياليته بين لنا هذه النصوص حتى أفندها وأبين زيفها أو أوجد المراد منها.
١٦- ثم نقل عن المستشرق لوت بأنهما- أي كعب الأحبار وعبد الله بن سلام- (مدرسة ذات لون يهودي) تنتسب إلى ابن عباس.
أقول لهما ومن اتبعهما: لقد أسستم كلامكم على شفا جرف هار، أين المدرسة ذات اللون اليهودي؟ وأين نصوصها ورواياتها؟ وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهم قد روى عن كعب وعبد الله بن سلام كما تزعمون فهل يقال أنها مدرسة تنسب إلى ابن عباس وهو الذي يأخذ منهم! وعلى احتمال أنهم وقفوا على بعض النصوص عن هذين الراويين فإنه لا يقال أنها مدرسة يهودية فهؤلاء دخلوا الإِسلام وإذا ورد عنهم أخبار أهل الكتاب فقد فصلت الكلام سابقاً عن ذلك في الرد عن مثل هذه الشبهة.
وما نقله أ. سزكين عن أولئك المستشرقين من اليهود والنصارى، يشوه التفسير بالمأثور المنقول عن أولئك الرجال الذين طُعن فيهم، وفي تشويه التفسير بالمأثور ورجاله تشويه لعلم التفسير، وهو أساس التفسير، ولا تفسير بدونه وبواسطته يقع ويكتمل علم التفسير وذلك بمعرفة أحكام القرآن، وبيان المشكل، والوقف والابتداء، وأسباب النزول، والمكي والمدني، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والقراءات، والغريب، وفضائل الآيات والسور وكل هذه المعارف تنبثق من علم التفسير بالمأثور ولا يقوم علم التفسير إلا بها.