للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما من الناحية السياسية: فإن الجزيرة العربية في المدة التي سبقت تولّي الملك عبد العزيز زمام الأمور، في فوضى سياسية، يعمها الانقسام والتناحر والحروب، حيث أصبحت نجد كلها تبعاً لآل الرشيد، وفي الحجاز كان الشريف تابعاً للأتراك، وكانت السلطة غير منظمة في عهد الأتراك، فالوالي العثماني له حكمه، وللشريف حكمه، ولشيخ الحرم حكمه، ولرئيس العسكر حكمه، وذلك في مكة والمدينة.

وكانت في الأحساء حامية تابعة للأتراك أيضاً..

أما جنوب الجزيرة (عسير وجيزان) فكان يتبع الدولة العثمانية تارة، وتارة أخرى كان يستقل به أهلها، كإمارة آل عائض والإدريسي.

وهكذا كانت الجزيرة العربية قبيل عهد الملك في انقسام وتمزق، وكانت هدفاً لمؤامرات الدول الغربية والاستعمارية، التي كانت تستهدف استعمار ما بقي من العالم الإسلامي عامة، والعالم العربي خاصة [٣٩] .

وأما عن الأمن: في الجزيرة العربية قبيل الملك عبد العزيز، فإنه كان مفقوداً، والناس يغلب عليهم التمزُّق والتفرُّق والانقسام، فيما بين بعضهم البعض، وفيما بينهم وبين المتجاوين في البلدان.

وكان حبل الأمن مضطرباً. فالقبائل في غارات مستمرة تقاتل بعضها بعضاً، لا يستقر لها حال، ولا يهدأ لها بال، والدماء تُسفك وتُراق لأتفه الأسباب، والانتقام والأخذ بالثأر هو شغلها الشاغل، فلا أمن ولا أمان، بل فوضى وعدوان [٤٠] .

وكان الخوف شديداً، وقد عمَّت الفوضى والسلب والنهب والقتل وإزهاق الأرواح، فالحروب تقع بين القبائل ـ في البادية وبين القرى ـ لأتفه الأسباب، أو بسبب الطمع والنهب، وكان البدو يتحاكمون إلى العرف، والحضر يحارب بعضهم بعضاً. إذ ليس هناك سلطة قوية تسيطر على الأمور وتردع الظالم وتنصر المظلوم.

وكانت الانقسامات الإقليمية والغزوات القبلية، والحروب الأهلية من الأمور الشائعة. وقد جلب النزاع والتقاتل بين الأفراد والقبائل للأهالي المحن والويلات.