للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي أنشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره (١) . وأما قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقد قال القرطبي في معناها: "أي قليل من يفعل ذلك لأن الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية" (٢) .

قلت: والظاهر - والله أعلم - أن نعم الله كثيرة لا حصر لها، وهي لا تزال متجددة متكاثرة على العباد بفضل الله عز وجل، والشكر بأنواعه وأشكاله يحتاج إلى عزيمة ويقين، فيضعف كثير من الناس، ويقصِّرون في شكر المنعم وحمده حق شكره وحمده، ولذلك كان الشاكرون قليلين، وهم الخاصة، وفي مقدمة هؤلاء الشاكرين إمامهم سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه أتقى الخلق، وأعرفهم بحق خالقه وأشكرهم له، يظهر ذلك جليًا من خلال النظر في حاله وسيرته مع أصحابه رضوان الله عليهم، ويبرز ذلك بأمور منها:

١- كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العبادة بشتى أنواعها مع أنه مغفور له المتقدم والمتأخر من ذنبه، فلقد جاء عند البخاري (٣) ، ومسلم (٤) من حديث المغيرة بن شعبة وحديث عائشة - رضي الله عنهما - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". هذا لفظ حديث عائشة عند البخاري، وعندهما نحو هذا اللفظ أيضًا.


(١) الجامع لأحكام القرآن (٢٠/١٠٢-١٠٣) .
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٤/٢٦٤-٢٦٥) .
(٣) الصحيح، كتاب التهجد، باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل (٣/١٤) وكتاب التفسير، باب ليغفر الله لك ... (٨/٥٨٤) ، وكتاب الرقاق، باب الصبر على محارم الله (١١/٣٠٣) .
(٤) الصحيح، كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (٤/٢١٧١-٢١٧٢) .