للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا يفعل التقليد الأعمى وتقديس المعتقدات القائمة على الوراثة، فهؤلاء كانوا يعرفون الرسول حق المعرفة، ويعلمون صدقه وأمانته حق العلم، ولكن التعصب الجماعي القائم على التقليد الأعمى وتقديس ما وجدوا عليه آباءهم حملهم على أن يعجبوا من دعوته ويتنكروا لها، ويقولوا فيه وفي دعوته ما حكاه القرآن عنهم، ولو أنهم حرروا أنفسهم من سيطرة التقليد الأعمى والتعصب الجماعي، ورجعوا إلى تحكيم عقولهم وضمائرهم وسلكوا الطريق التي أرشدهم إليها القرآن في قوله {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} ولو خلا كل واحد منهم بمن يعرف فيه سداد الرأي واستقامة التفكير واستطلع رأيه واستكشف ما في قرارة نفسه، أو خلا بنفسه واستوحى عقله واستفتى قلبه لزالت عنهم تلك الغشاوة التي عقدها التعصب الأعمى على القلوب والأبصار ولعرفوا أن صاحبهم صلوات الله وسلامه عليه ليس به ما يفترون، وإنما هو رسول من الله صادق أمين، ونذير لهم بين يدي عذاب شديد.

وهذه الحقيقة التي قررناها وهي أن قيام المذاهب والعقائد على أساس الوراثة والتقليد الأعمى يضفي عليها قداسة تستحوذ على عواطف الوارثين لها وتصرفهم عن التفكير في فسادها وبطلانها، وتحملهم على التعصب الجماعي لحمايتها من كل دعوة تخالفها أو تنتقص من قداستها، هي السر في تمسك الأمم والطوائف بالمذاهب الموروثة وجمودهم عليها وإن كانت لا تستند إلى نظر صحيح، ولا تقوم على أساس من الحق، وقصارى ما تعتمد عليه هو التقليد الأعمى القائم على التبعية العمياء وتقديس مواريث الآباء والأجداد‍.