كنت في لكنو عام ١٣٤٣ ضيفا عند الدكتور محمد نعيم الأنصاري فوقعت معركة بين المسلمين والمشركين واستمرت ثمانية أيام، وتعطلت الأسواق وعجزت الشرطة التي يدير شؤونها الإنجليز عن إخماد نار تلك الفتنة، فإنهم كانوا يركبون بأعداد كبيرة في السيارات ولا يضعون شيئا، لأن الشرطة أيضا وإن كانوا تحت القيادة الإنجليزية فأكثرهم وثنيون والقليل منهم مسلمون، وجعل أغنياء الوثنيين عشر ربيات لكل من يأتيهم برأس مسلم أو مسلمة سواء أكان شيخا أو شابا، رجلا أو امرأة أو صبيا، صحيحا أو مريضا، فبقينا تلك المدة ليس لنا طعام إلا العدس، مع أن الدكتور الأنصاري كان يعيش معيشة المترفين، وكان غاندي موجودا، وكان له أتباع وأنصار وتلامذة في تلك المدينة فلم يهتم هو ولا غيره من البراهمة بإزهاق أرواح المسلمين، والمسلمون في مدينة لكنو لا يزيد عددهم على ربع سكانها، فقتلوا تقتيلا وكان الذين بدأوا بالعدوان وأوقدوا نار الحرب هم الوثنيين، وهذا يذكرنا بقول ابن عباس رضي الله عنهما لأهل العراق حين سألوه عن المحرم يقتل بعوضة ماذا عليه، فقال لهم: عجبا لكم يا أهل العراق سفكتم دم الحسين ومن معه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتورعوا عنه ثم جئتم تسألونني عن قتل البعوض، ولا حاجة لنا إلى ذكر الماضي، فحوادث هذه الأيام فيها كفاية، فكلنا يعلم أن الدولة الوثنية الهندية التي تدين بدين البراهمة هجمت على خمسة وسبعين مليونا في باكستان الشرقية وأعملت فيهم السيف والقنابل والإحراق والتعذيب تحت سمع الدنيا وبصرها، فلم يغثهم أحد لا من المسلمين ولا من غيرهم، وهاهم يسرحون ويمرحون ويملون شروط الصلح على من بقي من المسلمين في باكستان الغربية، فقبح الله من زعم أن هذا عصر النور والحرية والمساواة وفي مثله ينبغي أن ينشد:
فأقد منها حافرا للأدهم
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة
اقتفاء جهلة المتصوفة آثار الهنادكة في تعذيب أنفسهم