أجاب العلامة المعلمي بكلام طويل أنقل منه ما يأتي:"شاهد الثوري والأوزاعي طرفا من ذلك، ودلتهما الحال على ما سيصير إليه الأمر، فكان كما ظنا، هل كانت المحنة في زمان المأمون، والمعتصم، والواثق إلا على يدي أصحابكم؟ ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم؟ وفي كتاب قضاة مصر طرف من ذلك. وهل جر إلى استفحال تلك المقالات إلا تلك المحنة؟ وأي ضرر نزل بالأمة أشد من هذه المقالات؟ وأما سقوط مذهبيهما فخيرة اختارها الله تعالى لهما، فإن المجتهد قد يخطئ خطأ لا يخلو من تقصير، وقد يقصر في زجر أتباعه عن تقليده هذا التقليد الذي نرى عليه كثيرا من الناس منذ زمن طويل الذي يتعسر، أو يتعذر الفرق بينه وبين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله، فقد يلحق المجتهد كفل تلك التبعات، فسلم الله تعالى الثوري والأوزاعي من ذلك، فأما ما يرجى من الأجر على الأتباع في الحق، فلهما من ذلك النصيب الأوفر مما نشراه من السنة علما وعملا، وهذه الأحاديث الواردة في الأمهات الست المتداولة بين الناس حافلة بالأحاديث المروية عن طريقهما، وليس فيها لصاحبكم ومشاهير أصحابه حديث واحد. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة الثوري: "قال لنا عبدان عن ابن المبارك، كنت إذا شئت رأيت سفيان مصليا، وإذا شئت رأيته محدثا في غامض الفقه" [٣٥] . قلت: والأوزاعي لا تقل درجته العلمية عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري، فهو إمام أهل الشام وشيخ الإسلام. قال الإمام الذهبي: "ربي يتيما فقيرا في حجر أمه تعجز الملوك أن تؤدب أولادها أدبه في نفسه، ما سمعت منه كلمة فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباته عنه. قال الوليد بن مزيد:"ولا رأيته ضاحكا يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول ما ترى في المجلس قلب إلا وهو يبكي". قال إسماعيل بن عياش:"سمعتهم يقولون سنة أربعين ومائة: الأوزاعي اليوم عالم الأمة". وقال الخريبي: "كان الأوزاعي