للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأفاضل المكرمون: وبعد أن طوح الإسلام بقوة بعقبة التفرقة، وأجهز عليها في أول صدام معها، انطلق ضوؤه ينير كل بطاح وبقاع، مُبدلا بلاء الشقاق ببهجة الوفاق، لكن القرآن لم يسكت عن التذكير بشر التفرقة، لعلم منزله سبحانه أن هذه الرذيلة لما استعملها الشيطان في أول مرة في السماء، سيكون أولى أن يستعملها في الأرض، يقدمها بسهولة إلى صدور الغاوين باعتبار أنه الوسواس، وليجعلها من أضر وعيد الإغواء لما قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} لهذا كرر القرآن كلمة التفرقة بوضعها في النهي القاطع بقوله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} وفي أذم المواضع بقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وغيرها، ولنجلس قليلا مع آية منها، ولتكن الأخيرة مثلاً، لنعلم أن أسوأ ضروب التفرقة هو تفريق الدين، فلقد أوضحها المفسرون بقراءتين، {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} ، و {فارقوا دينهم} فالقراءة الثانية عن اليهود والنصارى الذي فارقوا دينهم، الذي يأمرهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فأصبحوا كفارا بكل دين، والقراءة الأولى وهي الأشهر وإن كانت الثانية لا تنكر فرّقوا دينهم فسرتها كلمة (شيعا) ، أي فِرقاً يتشيع لها، وهذا تحذير بالقرآن بعدم تفريق الدين، وإذا وقع منا هذا كما وقع من غيرنا فلا يربطنا بالرسول سبب ما {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وجاءت هذه الآية الفاصلة في الأمر بعد آية سبقتها بقليل {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي تتقون عقاب متبع السبل،