للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن حديث الثلاث وسبعين فرقة التي ستنقسم أو انقسمت فعلا إليها الأمة الإسلامية أخبر المنبّأ صلوات الله عليه بأن الناجية واحدة والباقي في النار، نسبة واحدة إلى ثلاث وسبعين، يا لها من نسبة، ويخبر الرسول بأن هذه الفرقة الوحيدة هي القابضة على ما كان عليه هو وأصحابه، ولم يضف إلى ذلك أحد، وهذا الحديث تفسير للآية الآنفة، نعيدها {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالرجال العظام من هذه الأمة الذين سبقوا عقلوا وصية ربهم جيداً، وعرفوا منها أن الملة لا تقبل القسمة، وأنه أحكم تفصيلها في آيات نزلت وسنة بينت، فبنوا عزهم المنيع على أمرٍ هم فيه كالجسد الوحيد، وخر عدوهم تحت شراك نعالهم، لأنه لم يجد بين صفوفهم فرجة، وأساس بنيانهم المرصوص هذا هو أنهم لم يمزقوا عقيدتهم إلى تجمعات ولا اتجاهات، ولم يجعلوها جذاذا مفتتة بين المذاهب والفرق، كتاب وسنة فقط، فانحنت لهم أمم الأرض خضوعاً لاتحادهم، وأرض الجنة في شوق لقدومهم، فلما خلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب أخذوا عرض هذا الأدنى، ونثروا آياته حسب الرغبة، وبعثروا صفحاته تبعاً للميل، بدأ ذلك في العصر الأموي، ثم تفاحش إلى يومنا هذا، فهذا أشعري وهذا معتزلي وهذا شيعي، إلى آخر ما رزئ به الإسلام، واختفت في أعاصير هذه المذاهب كلمة السني، بل إن الصحابة وهم الراشدون المستن بهم بأمر الله ورسوله، فُرِّق بينهم بل سُبوا وشتموا من عصر يزيد إلى الآن، وذُكر أن رجلا أتى الإمام ابن حنبل رحمه الله وهو في مجلس علمه، وألقى عليه السلام، فلم يبش له الإمام ورد عليه منقبضاً، لأنه كان مشتهراً بالمعصية، فقال الرجل: يا أبا عبد الله لمَ تنقبض مني، فإني انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتُها، قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على