قلت: الشاهد معروف من هذا الحديث وهو أن عمر رضي الله تعالى عنه لم يعرف سودة من وجهها وكفيها، وإنما عرفها من جسامة جسمها فدل على أنها كانت مستورة الوجه والكفين وهذا هو معنى الحجاب أعني تغطية الوجه والكفين وسائر الجسم، وإذا لم يكن هذا المعنى مرادا فماذا كانوا يغطون قبل نزول الحجاب، وهذا أمر في غاية الوضوح والبيان، إذا لم تكن سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها مستورة الوجه عند خروجها من بيت النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يقال في حقها وحق غيرها من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن أنهن امتثلن الأمر الإلهي بالحجاب، ومع العلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة النبوية وقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تتنقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" والحديث أخرجه البخاري، والنسائي والإمام أحمد في مسنده، والبيهقي في سننه الكبرى، من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا، وحديث آخر، أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد في المسند، وابن جرير الطبري في تفسيره من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث الإفك، قالت: فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه (أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون) حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي الحديث...