اختلفت أنظار أعلام الأمة في ذلك، فذهب جمهور العلماء إلى المنع مطلقا [٥٦] وذهب بعض إلى الجواز مطلقا [٥٧] واختار الآمدي [٥٨] وابن الحاجب [٥٩] التفصيل، فقالوا: إن كان الحكم الآخر يرفع ما اتفق عليه السابقون امتنع وإلا جاز.
وقبل بيان وجهة نظر كل فريق لا بد من ذكر طائفة من المسائل التي توضح الإجماع المركب.
١- توريث الجد مع الإخوة: اختلف فيه فقهاء العصر الأول فقال أبو بكر وعمر وابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم يرث الجد ويحجب الإخوة. وقال علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: يرث الجد مع الإخوة. وحينئذ فالقول بتوريث الإخوة وحرمان الجد قول ثالث يرفع ما اتفق عليه من توريث الجد.
٢- النية في الطهارات الثلاث: اختلف الفقهاء في حكمها، فقال قوم بلزومها في جميع الطهارات من وضوء، وغسل وتيمم، وقال آخرون: بلزومها في التيمم فقط. وحينئذ فالقول بعدم لزومها في الجميع قول ثالث يرفع ما اتفق عليه من لزومها في التيمم.
٣-فسخ النكاح بالعيوب، وهي الجذام، والبرص، والجب، والعنة، والرتق، والقرن: اختلف الفقهاء في ذلك فمنهم من قال: يفسخ النكاح في أي منها. وحينئذ فالقول بالفسخ بالبعض دون البعض قول ثالث ولكنه لا يرفع ما اتفق عليه، لأنه لم ينعقد الإجماع على أحد هذه العيوب.
٤- أم وأب وأحد الزوجين: اختلف العلماء في ميراث الأم: فقال فريق: ترث الأم ثلث المال كله، وقال فريق آخر: ترث ثلث الباقي وحينئذ فالقول بأنها ترث ثلث المال كله مع أحد الزوجين وثلث المال كله مع أحد الزوجين وثلث الباقي مع الآخر قول ثالث، ولكنه لا يرفع ما اتفق عليه لأنه يوافق كل فريق من وجه.
وجهة نظر القائلين بالمنع مطلقا:
قالوا: إنه لو جاز إحداث القول الآخر لكان مخالفا للإجماع المنعقد على عدم القول به ومستلزما تخطئة كل الأمة، وهذا لا يجوز لمخالفته لعموم أدلة الإجماع.