ولنا أن نقول: إن القول بالمنع لا ينافي القول بالتفصيل لأن الممنوع هو مخالفة الكل فيما اتفقوا عليه كما في مسألة الجد مع الأخوة، أما أن يخالف كل فريق من وجه ويوافقه من وجه فلا يتجه عليه المنع كما في مسألة فسخ النكاح بالعيوب.
وجهة نظر القائلين بالجواز مطلقا: قالوا: إن وقوع الاختلاف في حكم حادثة دليل على أنها من المسائل الاجتهادية التي يصح الاجتهاد فيها، وحينئذ لا مانع يمنع من الاجتهاد فيها بالنسبة لمجتهدي العصور التالية [٦٠] .
وأجيب عن ذلك بأن الاختلاف يكون دليلا على صحة الاجتهاد فيما إذا لم يمنع مانع من الاجتهاد، وهنا المانع موجود، وهو إجماع الفريقين على نفي القول الآخر.
وجهة نظر القائلين بالتفصيل:
قالوا: إن كان القول الآخر يرفع ما اتفق عليه القولان كما في مسألة الجد مع الإخوة، ومسألة النية في الطهارات، فهو ممتنع لما فيه من مخالفة الإجماع. وإن كان القول الآخر لا يرفع ما اتفق عليه بل يوافق كل فريق من وجه ويخالفه من وجه كما في مسألة الأم والأب واحد الزوجين فهو جائز لأنه لم يخالف إجماعا [٦١] وأشكل عليهم بأن في ذلك تخطئة كل فريق في بعض ما ذهب إليه وتخطئتهم تخطئة للأمة وذلك محال. فأجاب ابن الحاجب عن ذلك بقوله:"المحال تخطئة الأمة فيما اتفقوا عليه وأما تخطئة كل فريق فيما لم يتفقوا عليه فجائز"[٦٢] وبنفس الفكرة وبلفظ مشابه أجاب الآمدي: "المحال إنما هو تخطئة الأمة فيما اتفقوا عليه، وأما تخطئة كل بعض فيما لم يتفقوا عليه لا يكون محالا"[٦٣] .
وبهذا يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه المتأخرون والمعاصرون وهو التفصيل وذلك ((لأنه إذا رفع مجمعا عليه فقد خالف الإجماع فلم يجز كمسألة الجد والنية، وإذا لم يرفع مجمعا عليه فلا داعي للمنع لأنه لم يخالف إجماعا ولا مانع سواه [٦٤] .