وكان مما حاوله المبشرون - بتوجيه من المستشرقين - محاربة اللغة العربية وإجلاؤها من الألسنة؛ حتى تنقطع الصلة بين المسلمين وبين كتاب الله الذي هو دستور دينهم ولسان شريعتهم، وكان من تدبيرهم لتحقيق هذه الغاية أن أشاروا على المستعمرين بأن يقربوا إليهم كل من يحسن لغتهم، وأن يمكنوا لهم من تولى المناصب العالية، الأمر الذي دعا كثيرا من المسلمين إلى تعلّم لغة المستعمر وحذقها، في الوقت الذي انصرف هؤلاء المتعلمون عن لغتهم العربية، معتقدين أن هذا لا ينتقص شيئا من دينهم، ولا يمسّ شيئا من عقيدتهم، وبهذا أصبحت دول كثيرة من الدول الإسلامية التي كان لسانها عربيا لا تكاد تنطلق بتلك اللغة، ولا تعرف من كلماتها إلا ما تؤدي به الصلاة في ركاكة عجمية، كما كان ذلك مشاهدا في البلاد الإسلامية الواقعة في شمالي أفريقية، وهذه البلاد تحاول جاهدة الآن - بعد أن جلا الاستعمار عنها - أن تسترد لسانها العربي بعد تلك الغربة الطويلة التي انقطعت فيها الأسباب بينها وبينه.
وقد استغلّ المبشرون وضعهم في البلاد الإسلامية المستعمرة في التشويش على دعوة الإسلام، مستفيدين من غياب اللسان العربي، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف الغيرة الدينية عند كثير من المسلمين، وتراخي أيديهم عن التمسك بشعائر الدين، والتأدّب بآداب الإسلام والتخلق بأخلاقه.
وقد جهل المستعمرون وأعوانهم من المستشرقين والمبشرين أن السرّ في فشلهم في حمل المسلمين على التخلي عن دينهم هو أنهم يعملون في اتجاه مضاد لطبيعة الأشياء؛ لأن الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فلا يمكن للفطرة أن تنفصل عنه، مهما بذل أعداء الإسلام من الجهد والمال.