وهذا هو السرّ الذي دخل به الإسلام إلى أوطان كثيرة؛ فغزا القلوب ونفذ إلى العقول، بدون جيوش زاحفة وحملات تبشيرية غازية، وإنما كان الإسلام بذاته هو الذي يفتح أوطانا بأسرها، على يد بعض التجار الذين لم يكن من قصدهم الدعوة إلى الدين، وإنما كانت هذه الدعوة تأتي عرضا في حديث جار، فإذا هي تسري بين الناس سريان العافية في الأجسام العليلة، وإذا الناس على دين الله وعلى فطرة الله.
هكذا دخل الإسلام كثيرا من بلاد إفريقية ومن بلاد آسيا، ودخل بلادا عديدة في أوربا، ودخله كثيرون في أمريكا، ولم يدخل أحد الإسلام في البلاد بحملات حربية أو تبشيرية، وإنما دخله طبيعيا بدعوة من الفطرة؛ لهذا فشلت حملات التبشير في بلاد الإسلام، وتكسّرت نصالهم على صخرة هذا الدين.
لقد كانت أهداف التبشير الصليبي - بعد الحروب الصليبية - التشويش على الدعوة الإسلامية؛ لكسب مواقع جديدة من أرض المسلمين، فلما عجز المبشرون عن بلوغ أهدافهم حاول قادتهم من المستشرقين أن يشوشوا على دعوة الإسلام بإلقاء الأباطيل والمفتريات في ساحة شريعته الغراء، خصوصا بعد أن انتشر الإلحاد في أوربا وأمريكا، بعد أن كشف العلم الحديث للمسحيين ما في دينهم من أمور لا يقبلها العقل، كالتثليث الذي يجعل الإله الواحد ثلاثة: أب وابن وروح قدس.