ولما علم صاحب الشرع - عليه الصلاة والسلام - أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال:"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تأوله تأويلاً صرحت به للناس، وإذا تأملت ما في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح، وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية ثم الصوفية". إلى آخر كلامه في هذا المعنى، حقاً إنه لمثال صحيح وسليم لو سلم من شيء واحد وهو ما جاء في تفسير أبي الوليد للحديث الذي استشهد به، إذ يقول: وهو يصف الفرقة التي تنجو من النار وتفوز بدخول الجنة وحدها "يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تأوله تأويلاً صرحت به للناس"يفهم من هذا التفسير الغريب أن التأويل المذموم ـ في نظر ابن رشد، هو التأويل الذي يصرح به للجمهور فقط، وأما لو أول العلماء نصوص الكتاب والسنة في دائرتهم الخاصة وخرجوا بها عن ظاهرها, واعتقدوا صحة ذلك التأويل مع مخالفته لظاهر الشرع ومصادمته له فلا حرج عليهم، ولا يخرجهم عن عموم الفرقة الناجية، إنها لفلسفة جريئة, وابن رشد - كما علمنا - يثبت للشرع مفهومين اثنين، وكلاهما صحيح في بابه، مفهوم يخص العلماء [٥] وهو الذي يتم بتأويل نصوص الشرع ليوافق الحكمة مع عدم التصريح به للجمهور وهم عامة الناس غير العلماء بل هو مفهوم خاص بالخاصة، ولا يجوز لهم البقاء مع ظاهر الشرع حين يخالف ظاهر الشرع الحكمة - في زعمهم - ويسمى ذلك عندهم التوفيق بين الشريعة والحكمة. المفهوم الثاني: مفهوم يخص الجمهور، وهم عوام الناس غير العلماء كما تقدم, وواجبهم التمسك بظاهر الشرع قبل أن يحيدوا عنه، ولا يجوز لهم التأويل بل يخبرون عنه. هذه هي فلسفة ابن رشد في هذه المسألة، وقد وقع فيما هو أقبح مما عابه على أهل الكلام حيث زعم أن للشريعة الإسلامية معنيين، معنى جمهوري