ويقوم دليل الاختراع على النظر الدقيق في الموجودات والمصنوعات التي تدل لا على وجود الخالق فحسب، بل على قدرته وعظمته ووحدانيته, كأثر يدل على المؤثر, وصفة تدل على الصانع الحكيم، ويرى أبو الوليد أن لكل دلالة من الدلالتين جماعة من الناس تفهمها وتختص بفهمها وإدراكها، ويجعل دلالة العناية طريقة الجمهور لأنها حسية, كما يجعل دلالة الاختراع خاصة بالعلماء والخواص؛ لأنهم يزيدون على ما يدركه الحس ما يدركونه بالبرهان الذي يتم بالنظر واستعمال الفكر، وينظروا في ملكوت السموات والأرض, وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ, وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ, وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ, وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} , ليستدلوا على وجود الله وقدرته وحكمته بالنظر في أسرار هذه المخلوقات إذ كان ذلك في استطاعتهم دون الجمهور {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَهَا}(البقرة: ٢٨٦) ولنستمع الآن إلى أبي الوليد وهم يتقدم إلى الجمهور بإرشاده كي يعرفوا الاستدلال على وجود الله تعالى: فيقول:
"الطريق التي نبه بها الكتاب العزيز عليها, ودعا الكل من بابها تنحصر في جنسين:
١ – في العناية بالإنسان وخلق جميع الأشياء من أجله، ولنسم هذا دليل العناية.
٢ – ثم ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة في الجماد والإدراكات الحسية والعقل، ولنسم هذا دليل اختراع".