وهي الطريقة السليمة، وتدل على عمق علم السلف ودقتهم وبعدهم عن التكلف والقول على الله بغير علم، والمعروف عنهم أنهم لا يتجاوزون الكتاب العزيز والسنة المطهرة في المطالب الإلهية خشية القول على الله بغير علم, والخوض في حقائق ذاته وصفاته وأسمائه وتسليط الوهم والخيال عليها فأمر جد خطير، إذ لا يصف الله أعلم من الله، ولا يصفه من خلقه أعلم من رسوله عليه الصلاة والسلام الذي أذن له أن يصفه وأمره أن يبلغ عنه ما نزل عليه، ومن جملة ما نزل عليه صفات الله عز وجل، ومن بعدهم عن التكليف أنهم لا يتطلعون إلى إدراك حقائق الصفات والأسماء إيماناً منهم بأن المخلوق لا يحيط بالخالق، علماً مهما أوتي من علم وذكاء لأن علم المخلوق محدود {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً}(الإسراء: ٨٥) , ولا يقاس بغيره بأي نوع من أنواع القياس، إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى: ١١) ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(مريم: ٦٥) ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، والملاحظ أن ابن رشد قد يتسامح مع نفسه ما لا يتسامح مع غيره كما رأينا فيما سبق، فيطلق لنفسه حرية الخوض والتأويل بينما هو يعيب كل ذلك لو صدر من غيره، ويعده بدعة محدثة.
ومن الإنصاف - والإنصاف من الإيمان - أن يعد هذا التصرف بدعة في حق كل أحد حتى في حق أبي الوليد، وعلى العموم يلاحظ الدارس لكتب ابن رشد أنه يورد من الأدلة العقلية والنقلية في حواره ونقاشه في الإلهيات ما يدل على اطلاعه الواسع ومقدرته الرائعة وذكائه الخارق.