نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقاً؛ سواء كان المدعو ملكاً، أو نبيّاً، أو ولياً، أو جنِّيّاً، أو صالحاً، أو شريفاً، أو سيداً، أو شجراً، أو قبراً، أو غير ذلك، فأما إن دعى إنساناً حيّاً حاضراً قادراً وطلب منه ما يقدر عليه، كقوله: يا فلان اسقني، أو أطعمني، أو احملني، أو احمل رحلي، ونحو ذلك فهذا جائز، وهو من الأفعال المحسوسة، التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضاً على فعلها. وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة، أو أشركني في صدقاتك، أو وقفك، أو دعواتك ونحوها، فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مما يثيبه الله عليه، وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي وأدخلني الجنة، أو: خذ بيدي عن النار ونحو ذلك، فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلاً عن الميت؛ لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.
فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصاً وقف عند قبر إنسان معظَّم في نفسه، وخضع برأسه، وتذلل، وأهطع، وأقنع، وخشع، وخفض صوته، وسكنت جوارحه، وأحضر قلبه ولبّه، أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء ونحو ذلك، فإننا لا نشك أنه والحالة هذه يعتقد أنه يعطيه سؤله ويدفع عنه السوء، وأنه يستطيع التصرف في أمر الله، ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسأله: هل أنت تعتقد أنه يضر وينفع من غير إذن الله؟ فالله تعالى ما كلفنا أن ننقب عن قلوب الناس، وإنما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظاهرة، وهذا الشخص قد خالف قول الله تعالى:((ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين)) (يونس:١٠٦) .