كَذَلِك نجد فِيهَا تفسيرات وتوجيهات للحوادث التاريخية، الَّتِي يَسْتَحِيل طمسها، بعد مسخها، كالحروب الصليبية فقد مسخت حَتَّى حصرت بحدود قرنين من الزَّمَان هما السَّادِس وَالسَّابِع الهجريان، وَلَيْسَ هَذَا فَحسب بل حصرت بعدة حملات صليبية جَاءَت على شريط ضيق على السَّاحِل السوري والمصري فَقَط، ثمَّ لما اطمأنوا إِلَى أَن عملية المسخ هَذِه انطلت على الْكثير من الْمُسلمين مسخوها كُلية فَقَالُوا: إِنَّهَا لَيست صليبية فِي حَقِيقَتهَا وَإِنَّمَا هِيَ حروب استعمارية اقتصادية وسياسية وَلكنهَا جَاءَت تَحت شعار الصَّلِيب وباسم الدّين، لِأَن العصور الْوُسْطَى هِيَ عصور دينية، وَبعد هَذَا المسخ المتواصل لَا تكَاد تَجِد لَهَا بحثا فِي هَذَا النَّوْع من كتب التَّارِيخ، وَإِنَّمَا مُجَرّد ذكر هُوَ للْإِشَارَة أقرب مِنْهُ للبحث.
كَمَا نجد تفسيرات متعسفة وتوجيهات لأحداث تاريخية هَامة انتصاراً لفكرة فَاسِدَة وتأييداً لمَذْهَب بَاطِل..إِلَى آخر مَا هُنَالك من صور التشويه والدس على تَارِيخ الْمُسلمين مِمَّا لَا يُمكن حصره فِي هَذِه الْمُقدمَة لهَذِهِ المحاضرة..إِلَّا أَن الَّذِي أُرِيد أَن أقوله: إِن هَذَا النَّوْع المشوه من كتب التَّارِيخ قد كثر كَثْرَة فَاحِشَة فِي هَذِه الْأَيَّام، مِمَّا بَات مَعَه من الضَّرُورِيّ جدا أَن ينْهض الْمُسلمُونَ لكتابة تاريخهم من جَدِيد، فَإِن التَّارِيخ الإسلامي، لم يكْتب بعد كَمَا يجب أَن يكْتب، وَلم ينل الْعِنَايَة الكافية من أبنائه، بل لعلّي لَا أبالغ إِذا قلت أَن تاريخنا الإسلامي الْيَوْم لم ينل الْحَد الْأَدْنَى من الْعِنَايَة بِهِ من الْمُسلمين، وَمن ثمَّ لَا يُوجد أمامنا مِنْهُ سوى المؤلفات الضخمة الَّتِي وَضعهَا عُلَمَاؤُنَا الأفذاذ على طريقتهم الَّتِي لَا تصل إِلَّا للمختصين والباحثين، كَمَا سنشير بعد قَلِيل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَنَوع آخر من كتب التَّارِيخ وَهُوَ مَا عنيته بِالذكر مِمَّا كتبه المستشرقون أَو تَحت إشرافهم الْمُبَاشر أَو غير الْمُبَاشر وبتوجيه من دوائرهم بشتى طرق التَّوْجِيه الَّتِي أقلهَا أَلا يصبر المؤرخ الْمُحدث على المؤلفات الْقَدِيمَة أَو لَا يحسن الْبَحْث فِيهَا، فَلَا يجد مرجعاً لَهُ سوى مَا وَضعه المبشرون ومؤسساتهم فيعتمدها وَمن ثمَّ تتسرب