إن كنتَ لا ترضى بما قد قَضَى ... غني بما قَدَّرَهُ راضي
على ان القضاة ليسوا سواء، فيهم من يامر بالتقوى وينهى عن الفحشا، ويتجنبُ الباطلَ وأكلَ الرّشا، ومنهم دون ذلك واقعون في مهاوي المهالك، نسألُ الله تعالى ان يجنبنا عن هذا القبيل، ويهدينا إلى سواءِ السبيل، وإني بعناية الله تعالى وَمَنِّهِ الصمدي:
وليت الحكمَ خمساً وهي خمسٌ ... لعمري في الصِّبا والعنفون
فما وضع الأعادي قَدْرَ شاني ... ولا قالوا فلانٌ قد رشاني
وكان بعضُ الأصحاب يرغبني عن ذلك لخساسةِ الشركا، ويقول: كم من جاهلٍ نراه على هذا المطلب منهمكا. وكان ينشدني في هذا المقام:
إذا وقع الذباب على طعامٍ
فكنت انشده:
إذا شوركت في أمرٍ بدونٍ ... فلا يَلْحَقْكَ عارٌ أو نفورُ
ففي الحيوانِ يشتركُ اضطراراً ... أرسطاليسُ والكلبُ العقور
ثم لما كانت فوائد التنقل والاسفار، ممّا ملئت به بطون الأسفار، ولله درّ القائل:
ما دامت البيض في الاجفانِ مغمدةً ... فما يبينُ لها في الهامِ من عَمَلِ
وفي التنقل عزّ للفتى وعلا ... لم يَكْمُلِ البدَر لولا كثرةُ النُّقَلِ
والمندلُ الرطب في اوطانِهِ حَطَبٌ ... وقد يقوَّمُ في الاسفار بالجمل
رأيت أن السفر إلى استنبول من الأمر المتعين، والتوجه إليها من المهم اللازم البين، فتعين علي حينئذ أن أنشئ رحلة رومية، وأكتب فيها بعض ما يقع من الحوادث اليومية، بحيث تكون كالذيل على تلك الرحلة ومعطوفة عليها عطف الجملة على الجملة. وحيث اشتملت هذه على الشكاية من أحوال الزمان وتضمنت التوجع من تأخر الفضلاء في هذا الأوان، والتأسف على حظ أهل الأدب، وقد حيل بينهم وبين الأرب، رأيت أن أسميها باسم مناسب مقتضى المقام والحال، وأسمها بوسم يستدعيه المقال، فسميتها: بوادي الدموع العندنية بوادي الديار الرومية.