للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تمثلت فِي كَثْرَة كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وتواريخ الرِّجَال، وسؤالات الْمُحدثين لكبار النقاد عَن مَرَاتِب الروَاة.

وَالْبَيْهَقِيّ بشكل عَام يقارن بَين موارده، ويرجح الْأَقْوَى مِنْهَا١ وَلَا يُتَابع أحدا مهما عظم شَأْنه إِلَّا بعد التَّوَثُّق وَالْيَقِين٢، فَهُوَ الَّذِي أفرد بَابا مُسْتقِلّا فِي "مدْخل السّنَن" ينصح فِيهِ بترك تَقْلِيد أَمْثَاله من أهل الْعلم حَتَّى يعلم علمهمْ٣. وَهُوَ يتحوّط من خطأ الثِّقَات لخطورته، كتحوّطه من الضُّعَفَاء، فَإِنَّهُ يَقُول مُحَذِّراَ: "فقد يزل الصدوق. وَقد يزل الْقَلَم، ويخطئ السّمع، ويخون الْحِفْظ"٤.

وامتاز عمك الْبَيْهَقِيّ فِي الاقتباس من "الْمَوَارِد" بالدقة فِي النَّقْل، فَكَانَ لَا يُورد نصّاً إِلَّا مشفوعاً بِإِسْنَادِهِ، وَبِهَذَا جَاءَت جَمِيع اقتباساته مُمَيزَة محددة، مَعْرُوفَة بدايتها ونهايتها من غير تدَاخل بَين الاقتباسات.

وَقد اسْتعْمل صيغاً علمية محدّده عِنْد الْأَدَاء والاقتباس "كحدثنا وَأخْبرنَا" فِي حَالَة السماع، فَإِذا تحمَّلَ قسما من الْكتاب بِالسَّمَاعِ وتحمَّل مَا تبقّى بطريقة أُخْرَى نبّه على ذَلِك، وغاير بَين الصيغتين فَيَقُول فِي الأولى: "حَدثنَا"، وَيَقُول فِي الثَّانِيَة مثلا: "أنبأنيه شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي (الْمُسْتَدْرك) - فِيمَا لم يُقْرأ عَلَيْهِ- إجَازَة"٥. أَو يَقُول فِي الْمُكَاتبَة: "أنبأني أَبُو نصر بن قَتَادَة، وَكتبه لي بِخَطِّهِ"٦. وَفِي حَالَة التَّحَمُّل بالوجَادة يُمَيّز ذَلِك بقوله: "وَرَأَيْت فِي (كتاب الْعِلَل) لأبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ"٧. أَو يَقُول: "قَال أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي (كتاب الْعِلَل) "٨، وَهَذَا هُوَ التَّعْبِير الَّذِي يكثر من اسْتِعْمَاله فِي الاقتباس من الْمَوَارِد الَّتِي أَخذهَا بالوجادة، وَأَحْيَانا يَقُول فِي التَّعْبِير عَنْهَا: "بَلغنِي"٩.

وَمِمَّا تجدر الْإِشَارَة إِلَيْهِ مَا ذكره الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي معرض حَدِيثه عَن موارد الْبَيْهَقِيّ


١ انْظُر الْبَيْهَقِيّ السّنَن الْكُبْرَى: ٢/٤٣٩، ٣/٣٤، ٢٨٣.
٢ انْظُر الْمصدر السَّابِق: ١/١٥٨،-١٥٩، ١٠/٥٦.
٣ انْظُر الْبَيْهَقِيّ الْمدْخل إِلَى السّنَن الْكُبْرَى: ٢٠٧-٢١١.
٤ الْبَيْهَقِيّ معرفَة السّنَن والْآثَار: ١/٤١.
٥ الْبَيْهَقِيّ السّنَن الْكُبْرَى: ١٠/١٢ وَمثلهَا فِي ١٠/٤٠، ١٩٣.
٦ الْمصدر السَّابِق: ١٠/١٦٧.
٧ الْمصدر السَّابِق: ٥/٣٢٤- ٣٢٣.
٨ الْمصدر السَّابِق: ١/٤٣، ١٦١، ٢٧٦، ٤٥٦، ٤/٨٨، ١٢٦، ٢٨٠، ٥/١٢، ٤٣، ٢٣٩، ٦/١٤، ٧/١٨٨،
٢١٢، ٨/٤٣، ٢٣٩، ٩/٢٣٦، ١٠/٢٠٨، ٢٨٩، ٢٩٣، ٣٢٠.
٩ الْمصدر السَّابِق: ١/٨٩، ١٣٠، ١٥٨.

<<  <   >  >>