للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قلنا: إن خصوص الجهال يشبهون بالعلماء فيشتبهون على مجالسيهم في الحال، فأعلم الناس في زمانك هذا أعرفهم بسيرة المتقدمين وأعلمهم بطرائق السالفين ثم أعلمهم بالعلم أي شيء هو وبالعالم من هو من المتعلم والمتعالم وهذا كالفرض على طالبي العلم أن يعرفوه لأنه لما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلب العلم فريضة وجب عليهم أن يعرفوا أي شيء هو العلم حتى يطلبوه إذ لا يصح طلب ما لا يعرف ثم وجب عليهم من هذا أن يعرفوا العالم من هو ليطلبوا عنده العلم إذ العلم عرض ولا يقوم إلا بجسم فلا يوجد إلا عند أهله كما قيل لعلي كرم الله وجهه وقيل له إنك خالفت فلاناً في كذا فقال خيرنا أتبعنا لهذا الدين، وكما قيل لسعد أن ابن المسيب يقرأ ما ننسخ من آية أو ننسأها فقال: إن القرآن لم ينزل على ابن المسيب ولا على أبيه ثم قرأ أو ننسها فأعلم الناس في هذا الوقت وأقربهم من التوفيق والرشد أتبعهم لمن سلف وأشبههم بشمائل صالحيّ الخلف، كيف وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل من أعلم الناس؟ فقال: أعرفهم بالحق إذا اشتبهت الأمور.

وقال بعض السلف: أعلم الناس أعرفهم باختلاف الناس، وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول: محدثان أحدثا في الإسلام، رجل ذو رأي سوء زعم أن الجنة لمن رأى مثل رأيه، ومترف يعبد الدنيا لها يغضب ولها يرضى وإياها يطلب فارفضوهما إلى النار اعرفوا إنكارهم لربهم بأعمالهم أن رجلاً أصبح في هذه الدنيا بين مترف يدعو إلى دنياه وصاحب هوى يدعو إلى هواه قد عصمه الله تعالى منهما يجيء إلى السف الصالح يسأل عن فعالهم ويقتص آثارهم لتعرض لأجر عظيم فكذلك فكونوا وكما روينا عن ابن مسعود رضي الله عنه وقد جاء مسنداً إنما هما اثنان الكلام والهدى فأحسن الكلام كلام الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد لله ألا وإياكم ومحدثات الأمور فإن شر الأمور محدثاتها إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، ألا كل ما هو آت قريب، ألا إن البعيد ما ليس بآت، وفي خطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي رويناها عن أبان عن أنس: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة وجانب أهل الذل والمعصية، طوبى لمن ذلّ في نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدها إلى بدعة، وقال بعض الأدباء كلاماً منظوماً في وصف زماننا هذا كأنه شاهده:

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلف يزكي بعضهم ... بعضاً ليدفع معور عن معور

أبنيّ إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر

<<  <  ج: ص:  >  >>