للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلّ، فهذه نيات الناس في التداوي المحمودة والمذمومة، فإن لم يتداوَ المتوكل تسليماً للوكيل وسكوناً تحت حكمه ورضاً باختياره وصنعه، إذ قد أيقن أن للعلّة وقتاً إذا جاء برئ بإذن الله تعالى، إلاّ أنها بعد عشرين يوماً، فيصبر ويرضى ويحمل على نفسه ألم عشرة أيام رضاً بقضاء الله، وصبراً على بلائه، وحسن ظن باختياره له، ولا يتهمه في قضاءه عليه، فهذا هو أحد الوجوه في حسن الظن باختيار الله أن لا يتهم الله في فضيلة كيف، وقد روي فيه نص أنّ رجلاً قال: يارسول الله، أوصني، فقال: لا تتهم الله في شيء قضاه عليك.

وقد روي في معنى هذا خبر فيه شدة، يقول اللّّه تعالى: مَنْ لم يصبر على بلائي ويرضَ بقضائي ويشكر نعمائي فليتخذ ربًا سواي، وهذا باب من الزهد في الدنيا بمقدار ما نقص من الرغبة في نعيم النفس، لأنّ الجسم من الملك فما نقص منه نقص من الدنيا، والقلب من الملكوت فما زاد فيه زاد في الآخرة وهو باب من الصبر بقدر ما صبر عليه من النقص، كما قال تعالى: (وَنَقْصٍ مِنَ الأموال وَالأْنفُس) البقرة: ١٥٥ يعني أمراضها وأسقامها، وبشر الصابرين ونقص الأموال إقلالها وإذهابها، فكذلك جعلناه زهداً لاقترانه بالمال، ومع هذا فهو لا يأمن في تعجيل العوافي من المعاصي، فإذا انتهى وقت العلّة، برئ من غير دواء بإذن الله، وله في الأمراض تجديد التوبة، والحزن على الذنوب، وكثرة الاستغفار، وحسن التذكرة، وقصر الأمل، وكثرة ذكر الموت، وفي الخبر: أكثروا من ذكر هادمّ اللذات: ومن أبلغ ما يذكر به الموت وتوقع نزوله الأمراض فقد قيل: الحمى بريد الموت، وفي قوله عزّ وجلّ: (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ في كُلِّ عَامٍ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ) التوبة: ١٢٦ الآية، قيل: بالأمراض والأسقام يختبرون بها، ويقال: إنّ العبد إذا مرض مرضتين ثم لم يتب قال ملك الموت: يا غافل، جاءك مني رسول بعد رسول فلم تقبل، وقد كانوا يستوحشون إذا خرج عنهم عام لم يصابوا فيه بنقص أو مال، ويقال: لا يخلو المؤمن في كل أربعين يوماً أن يروع بروعة أو يصاب بنكبة، فكانوا يكرهون فقد ذلك في ذهاب هذا العدد من غير أن يصابوا فيه بشيء، وروي أن عماراً تزوّج امرأة فلم تكن تمرض فطلقها، وأنّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرضت عليه امرأة فذكر من وصفها حتى همّ أن يتزوجها، فقيل له: إنها ما مرضت قط فقال: لا حاجة لي فيها، وذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأوجاع من الصداع وغيره، فقال رجل: وما الصداع؟ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>