للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجُوزُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَنْ مَالِ الْمُفْلِسِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّ حُصُولَ الْفَائِدَةِ مُتَوَهَّمٌ.

قُلْتُ: وَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْمُفْلِسِ وَحْدَهُ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ، جَازَ وَكَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ، لَا يُشَارِكُ بِهِ الْغُرَمَاءَ ; لِأَنَّهُ وَجَبَ بَعْدَ الْحَجْرِ. وَإِنْ أَنْفَقَ بَعْضُهُمْ بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ فَقَطْ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ فِي مَالِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ. وَلَنَا خِلَافٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ، هَلْ لَهَا حُكْمُ السَّلَمِ حَتَّى يَجِبَ فِيهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَهِيَ كَإِجَارَةِ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلْإِفْلَاسِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِمَصِيرِ الْأُجْرَةِ مَقْبُوضَةً قَبْلَ التَّفَرُّقِ. فَلَوْ فُرِضَ الْفَلَسُ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ فِيهَا، اسْتُغْنِيَ عَنْ هَذَا الْخِيَارِ، وَإِلَّا، فَهِيَ كَإِجَارَةِ الْعَيْنِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: إِفْلَاسُ الْمُؤَجِّرِ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ، أَوِ الذِّمَّةِ. أَمَّا الْأُولَى، فَإِذَا أَجَّرَ دَابَّةً، أَوْ دَارًا لِرَجُلٍ فَأَفْلَسَ فَلَا فَسْخَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَحَقَّةَ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ، فَيُقَدَّمُ بِهَا كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إِذَا طَلَبَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ، فَعَلَيْهِمُ الصَّبْرُ إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، أُجِيبُوا وَلَا مُبَالَاةَ بِمَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ بِسَبَبِ الْإِجَارَةِ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرُ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِذَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ نَقْلَ مَتَاعٍ إِلَى بَلَدٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ نُظِرَ، إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْمُفْلِسِ، فَلَهُ فَسْخُ الْأُجْرَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى عَيْنِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فَلَا فَسْخَ، وَيُضَارِبُ الْغُرَمَاءُ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ، وَهِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمَا يُضَارِبُ الْمُسْلِمُ بِقِيمَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. ثُمَّ إِنْ جَعَلْنَا هَذِهِ الْإِجَارَةَ سَلَمًا، فَحِصَّتُهُ بِالْمُضَارَبَةِ لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ؛ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، بَلْ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ قَابِلَةً لِلتَّبْعِيضِ، بِأَنْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ حَمَلَ مِائَةَ رِطْلٍ، فَيَنْقُلُ بِالْحِصَّةِ بَعْضَ الْمِائَةِ. وَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>