من جملة المكلفين بل العالم كلما ازداد علما كان تكليفه زائدا على تكليف غيره. ولو لم يكن من ذلك إلا ما أوجبه الله عليه من البيان للناس وما كلفه به من الصدع بالحق وإيضاح ما شرعه الله لعباده:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} , {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}
فلو لم يكن لمن رزقه الله طرفا من العلم إلا كونه مكلفا بالبيان للناس لكان كافيا فيما ذكرناه من كون العلماء لا يخرجون عن دائرة التكليف. بل يزيدون بما علموه تكليفا. وإذا أذنبوا كان ذنبهم أشد من ذنب الجاهل وأكثر عقابا. كما حكاه الله عمن يعمل سوءا بجهالة ومن عمله بعلم. وكما حكاه في كثير من الآيات عن علماء اليهود حيث أقدموا على مخالفة ما شرعه الله لهم، مع كونهم يعلمون الكتاب ويدرسونه. ونعى ذلك عليهم في مواضع متعددة من كتبه، وبكتهم أشد تبكيت. وكما ورد في الحديث الصحيح:"إن أول من تسعر بهم جهنم العالم الذي يأمر الناس ولا يأتمر وينهاهم ولا ينتهي"
وبالجملة فهذا أمر معلوم، أن العلم وكثرته وبلوغ حامله إلى أعلى درجات العرفان لا يسقط عنه شيئا من التكاليف الشرعية بل يزيدها عليه شدة، ويخاطب بأمور لا يخاطب بها الجاهل ويكلف بتكاليف غير تكاليف الجاهل، ويكون ذنبه أشد وعقوبته أعظم. وهذا لا ينكره أحد ممن له أدنى تمييز بعلم الشريعة،