للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلان عصارة لؤم في قرارة خبث، ألأم مهجة من أسقط جثة، قد ارتضع بلبان اللؤم، وربي في حجر الشر، وفطم عن ثدي الخير، ونشأ في عرصة الخبث، فوته غنيمة، والظفر به هزيمة، صغير القدر، ضيق الصدر، لا أمس ليومه ولا قديم لقومه، وجهه كهول المطلع، وزوال النعمة، وقضاء السوء، وموت الفجاءة، وجه كقفا الصك، وظلم الشك، ما هو إلا قذى العين، وأذى القلب، وشجى الصدر، وحمى الروح، ريح صيف، وطارق ضيف، يغمض عن الذكر، ويضعف عن الفكر، أقل من تبنة في لبنة، ومن قلامة في قمامة، هو من الطاووس رجله، ومن الورد شوكه، ومن الماء زبده، ومن النار دخانها، ومن الخمر خمارها، ومن الدينار صفرته، ومن السحاب ظلمته، ومن الأسد نكهته، هو تمثال الجهل، وصورة اللؤم، ومقر البخل، حسبانه أغاليط وفعاله تخاليط، سكيت الحلبة وساقة الكتيبة، وآخر الجريدة، لسانه مقراض الأعراض، هو عيبة العيوب، وذنوب الذنوب.

وقال كشاجم:

صاحب لي ليس فيه ... في الذي أشكر خله

وحش وجهاً ومخبوراً ... وتفصيلاً وجمله

كل من جاراه في مض ... مار لؤم جاء قبله

لابس كبراًَ على ما ... فيه من غدر ومله

ومريد من أباه ... ومهين من أجله

فهو كالدينار لا يكر ... م إلا من أذله

قال أحمد بن علي النوفلي: أنشدني أحمد بن أبي طاهر لمحمد بن وهيب الحميري يمدح المعتصم بن رشيد:

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

فالشمس تحكيه في الإشراق طالعة ... إذا تقطع عن إدراكها النظر

والبدر يحكيه في الظلماء منبلجاً ... إذا استنارت لياليه به الغرر

تحكي أفاعيله في كل نائبة ... الغيث والليث والصمصامة الذكر

فالغيث يحكي ندى كفيه منهمراً ... إذا استهل بصوب الديمة المطر

وربما صال أحياناً على حنق ... شبيه صولته الضرغامة الهصر

والهندواني يحكي عن عزائمه ... صريمة الرأي منه النقض والمرر

وكلها مشبة شيئاً على حدة ... وقد تخالف فيها العقل والصور

وأنت جامع ما فيهن من حسن ... فقد تكامل فيك النفع والضرر

فالخلق جسم له رأس يدبره ... وأنت جارحتاه السمع والبصر

ثم قال: ألا أنشدك ما هو أخصر وأيسر في المعنى والوزن والقافية، قلت: بلى، فأنشدني لنفسه، يمدح أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب:

إذا أبو قاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان: البحر والمطر

وإن أضاءت لنا أنوار غرته ... تضاءل الأنوران: الشمس والقمر

وإن أمضى رأيه أو حد عزمته ... تأخر الماضيان: السيف والقدر

من لم يبت حذراً من خوف سطوته ... لم يدر ما المزعجان: الخوف والخطر

كأنه الدهر في نعمى وفي نقم ... إذا تعاقب منه النفع والضرر

كأنه وزمام الدهر في يده ... يرى العواقب ما يأتي وما يذر

ومن قول ابن وهيب: "ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم.. " أخذ أبو القاسم [محمد] بن هانئ قوله يمدح جعفر بن علي:

المدنفان في البرية كلها ... جسمي وطرف بابلي أحور

والمشرقات النيرات ثلاثة ... الشمس والقمر المنير وجعفر

وبيت ابن هانئ الأول من قول ابن الرومي:

يا عليلاً جعل العل ... لة مفتاحاً لسقمي

شهدت وجنتك الحم ... راء أن الرغم رغمي

ليس في الأرض عليل ... غير جفنيك وجسمي

لك سقم في جفون ... سقمها أكذب سقم

[و] قال بعض الرواة: أنشدت أعرابياً قول جرير بن عطية الخطفي:

أبدل الليل لا تسري كواكبه ... أم طال حتى حسبت النجم حيرانا

فقال: هذا حسن في معناه، وأعوذ بالله من مثله، ولكني أنشدك في ضده من قولي، فأنشدني قوله:

وليل لم يقصره رقاد ... وقصر طوله وصل الحبيب

نعيم الحب أورق فيه حتى ... تناولنا جناه من قريب

بمجلس لذة لم نقو فيه ... على شكوى ولا عد الذنوب

بخلنا أن نقطعه بلفظ ... فترجمت العيون عن القلوب

قلت: زدني فما رأيت أظرف منك شعراً، فقال: أما من هذا فحسبك، ولكني أنشدك من غيره، فأنشدني:

وكنت إذا علقت حبال قوم ... صحبتهم وشيمتي الوفاء

<<  <   >  >>