للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قال] المأمون: النبيذ ستر فانظر مع من تهتكه، اشربه ما استبشعته، فإذا استطبته فدعه، التبذل فيه ظرف، والوقاؤ عليه سخف، ما للعقار والوقار، حد السكر أن تغرب الهموم، ويظهر السر المكتوم.

وقال الحسن بن وهب لرجل، ورآه يعبس عند الشرب: ما أنصفتها هي تضحك في وجهك، وأنت تعبس في وجهها.

ولأهل العصر: الدنيا معشوقة ريقتها الراح. الخمر عروس مهرها العقل. لكل شيء سؤ وسر الراح السرور، لا يطيب المدام الصافي إلا مع النديم المصافي. مجلس راحه ياقوت، ونوره در، ونارنجه ذهب، ونرجسه دينار ودرهم، يحملهما زبرجد.

عندنا أترج كأنه من خلقك خلق، ومن شمائلك سرق، ونارنج ككرات من سفن ذهبت، أو ثدي أبكار خلقت. مجلس أخذت فيه الأوتار تتجاوب، والأقداح تتناوب. أعلام الأنس خافقة، وألسن الملاهي ناطقة. نحن بين بدور، وكاسات تدور. وبرق راح، وشموس أقداح. مجلس تفتحت فيه عيون النرجس، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارات النارنج، ونطقت ألسن العيدان، قامت خطباء الأوتار، وهبت رياح الأفراح، دارت رحى الأقداح، وطلعت كواكب الندمان، وامتدت سماء الند، قد فض اللهو ختامه، ونشر الأنس أعلامه، قد هبت للأنس ريح، برقها الراح، وسحابها الأقداح، ورعودها الأوتار، ورياضها الأقمار قد فرغنا للهو، والدهر عنا في شغل.

حل هذا من منظوم أنشده بديع الزمان، ولم يسم قائله هو:

كم جوى مثله رسم مثل ... ودم قد طل أثناء طلل

ولآل كلل الخدد بها ... لعب البين بربات الكلل

حبذا عيش الليالي باللوى ... لو تجافى الدهر عنا وغفل

إذا فرغنا فيه للهو وقد ... باتت الأقدار عنا في شغل

وأدرنا لهباً في ذهب ... كلما أخمد بالنار اشتعل

قد اقتعدنا غارب الأنس، وجرينا في ميدان اللهو، مدامة تورد ريح الورد، وتحكي نار إبراهيم في اللون والبرد.

لست أدري أشقيق؟ أم عقيق؟ أم رحيق؟ أم حريق. راح كالنار والنور، أصفى من البلور، [أرق] من دمع المهجور، روح من النور، جسمها الكأس، كأنها شمس، في غلالة من شراب، مزج نار الراح بنور الماء، راح كأنها معصورة من وجنة الشمس، في كأس مخروطة من فلقة البدر. كأسيها ملء اليد، وريحها ملء البلد.

والشعر في هذا الباب أكثر م أن يكثر به الكتاب، ولكني سأنشدك يسيراً وأترك كثيراً.

قال [أبو الفتح] البستي:

عجبت للخمر تروي حر غلتنا ... وطبعها وكذاك الفعل ناري

فقم وأرو بنار الخمر غلتنا ... فما لدينا إذا لم ترونا ري

[وقال] الأمير تميم [بن المعز] ، وأجاد:

أدر فلك المدام وخل عتبي ... وونك فاسقنيها واسق صحبي

فقد نضج النسيم بماء ورد ... ومد على الهواء رداء سكب

وساق يملأ العينين حسناً ... رخيم دله يصبو ويصبي

شقائق خده باللثم نسبي ... ولحظ جفونه بالغنج يسبي

له نبت على الخدين غض ... يصففه فيتلف كل لب

تبارك من براه بلا شبيه ... وسلطه على قتل المحب

وقال ويدخل في باب الروض:

خليلي قد ولى الظلام وهملجا ... وقد كاد وجه الصبح أن يتبلجا

فقوما إلى ساقيكما فاهتفا به ... ولا تفتحا باباً من الهم مرتجا

على نرجس غض يلاحظ سوسناً ... وآس ربيعي يناغي بنفسجا

وقاذفة بالماء في وسط جنة ... قد التحفت وحفاً من الظل سجسجا

إذا انبعثت بالماء سلته منصلاً ... وعاد عليها ذلك النصل هودجا

تحاول إدراك النجوم بقذفه ... كأن لها قلباً على الجو محرجا

لدى روضة جاد السحاب ربوعها ... فزخرفها بين الرياض ودبجا

كأن غصون الأقحوان زمرد ... تعمم بالكافور ثم تتوجا

ونوار نسرين كأن نسيمه ... من المسك في جو السما تأرجا

ودعاني وندماني وكأسي ومزهري ... فحسبي والمعشوق ربعاً ومبهجا

كأن ثراه كلما صافح الندى ... وهز نسيم الريح ألوية الدجى

بقايا الغوالي في صدور نواهد ... ينازلن باللحظ الكمي المدججا

ولا تحملا هم الزمان فإنه ... إذا اشتد ضيق الحادثات تفرجا

[وقال] ابن وكيع:

حملت كفه إلى شفتيه ... كأسه والظلام مرخى الإزار

فالتقى لؤلؤاً حباب وثغر ... وعقيقان من فم وعقار

وقال أيضاً:

<<  <   >  >>