ليس شيء مما ذكرته من هذه الآداب البارعة والأمثال السائرة الرائعة إلا قد فاوضت فيه شيوخ العلم فأبدوا فيه وأعادوا واستحسنوا واستجادوا، وإنما ذكرت لك طرفاً من عيون كلمه وبعضاً من فنون حكمه لأنبهك على جلالة قدره وأعرفك أنه في الشعر نسيج وحده وقريع عصره، ومن صغر شأنه فقد أبان عن نقص في نفسه كثير، وما أحسن قول النابغة: أي الرجال المهذب. والفاضل من عدت سقطاته، والإساءة في البيت الفذِّ مغفورة بإضافتها إلى ألف حسنة، كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحدٍ ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وبعد هذا من الذي سلم في شعره من الشعراء المتقدمين ولو اقتصصت لك سقطات بشار وأبي نواس وأبي تمام والبحتري وغيرهم من الفحول المبرزين المتقدمين والمتأخرين لاستحسنت من شعر أبي الطيب ما استقبحته واستجدت ما استرذلته على أنه لم يرتكب لفظة مستهجنة إلا وليس له عنها مندوحة، ولست تقدر أن توجدني أمثالاً عدد أمثاله في شعر واحد من نظرائه وأمثاله بل لا تجد ذلك لمجيدين أو ثلاثة مكثرين من المتقدمين والمتأخرين. وما أحسن قوله: