ففي ثاني يوم الثلاثة حصل الجنك منهم، وخرج إليهم متصرف حلب عبد الرحمن باشا ومتصرف كِلِّز خليل باشا وعساكر عثمان باشا، وولده متصرف طرابلس الشام محمد باشا. ففي أقل من ساعة فرَّ هارباً خليل باشا وعبد الرحمن باشا وعساكر والينا وولده، وقتل منهم شرذمة قليلة. وبقي والينا عثمان باشا وولده محمد باشا، وعسكر الشام اليرليه والقبقول، وحصل القتال معهم ثلاثة أيام وأحرقوا في محلة التركمان بيوتاً وحاراتاً.
ثم في ليلة الجمعة ٢٤ صفر، ذهب عثمان باشا فاراً وولده محمد باشا ليلاً لطرف حماة مالكاناته.
ويوم الجمعة ورد مكتوب من ابي الذهب للأعيان والعلماء يطلبهم لمواجهته. فذهب إليه علي أفندي محدث الشام الداغستاني وأسعد افندي بكري زاده، والسيد محمد العاني المدرس بجامع بني أمية. فحين واجهوه طلب منهم تسليم البلاد، وإن ما سلموا يأخذها قهراً وحرباً وقتالاً، ويحرق جميع الشام. فأخذوا منه المهلة لصباح يوم السبت لأجل المشاورة مع بقية العلماء وأهل الشام والأوجاقات.
ففي تلك الليلة ليلة السبت ٢٥ صفر بعد العشا فرَّ هارباً يوسف آغا جبري زاده آغاة اليرليه، واليرليه جميعاً وجميع القبقول، ما عدا من في القلعة فإنهم حافظوها، ومعهم آغتهم مصطفى آغا، وسكَّروا باب القلعة، واهتموا بأمر القتال بأدوات الحرب والمدافع. وكذلك ذهب السيد حسين أفندي المرادي المفتي، وأسعد أفندي البكري، وحسين أفندي ابن حمزة لطرف حماة ليلاً، ونقيب أفندي العجلاني فرَّ هارباً لطرف الجبل والدروز، وعمادي زاده السيد على أفندي لطرف القريا، وآلاي بيك، وكومش زاده، وبقية الأوجاقات. ولم يبق في البلدة مدافع للعساكر أو مقاتل. وبقت (كذا) أهل الشام مترقبين الحرق والنهب، والقتل وسبي النسا، وماتوا جوعاً وخوفاً من ذهاب والينا عثمان باشا وذهاب الأعيان وتخلية البلدة.
فحينئذ خرج شيخ المحدثين الداغستاني، ومؤلف الرسالة كاتبه سليمان المحسني الخطيب، ومفتي الشافعية، والشيخ خليل الكاملي المدرس، والشيخ عبد الخالق المدرس، وبعض أهل العلم، وأوقفنا عساكر أبي الذهب المرسلة للهجوم على البلدة إلى حين نواجهه. فحين واجهناه تكلمنا معه بما قدره الله من المدافعة عن أهل الشام وأخذنا منه أماناً ورأياً للرعايا.
وثاني يوم الأحد العصر جاء منه مرسوم مضمونه أنه نهار غداً الإثنين مع الصباح تبادر لأردينا وديواننا. وهم علي أفندي الداغستاني، واسماعيل أفندي المنيني، وكانبه سليمان المحاسني، وشاكر أفندي العمري، والشيخ أحمد المدرس العطار، والشيخ أبو الفتح العجلوني المدرس، والشيخ خليل الكاملي المدرس، والسيد محمد العاني المدرس، والشيخ حسين العطار، ومن موجود من وجوه البلدة، وكتخدا اليرليه، والإيباشيا، والشرابجة، والأدباشية، والزعما، والسباهية، وأرباب التمارات، وبيوك كاتب، وكوجك كاتب والمقابلجي، وكتاب خزينة دمشق الشام، لأجل نظام البلدة على حسب الشرع الشريف.
ففي ثاني يوم ٢٦ صفر توجهنا جميعاً لأرديه وديوانه، والسيف بين يديه والعساكر محيطة بنا.
فقال لنا: مرادي أنصب قاضياً ومفتياً وآغاة يرليه.
فقالوا له الجميع: يا مولانا! أنت خاطبتنا على حسب الشرع الشريف، والشرع مقتضاه أن هذه البلدة بلدة حضرة مولانا السلطان مصطفى خان، نصره العزيز الرحمن، وتوجيه هذه المناصب له، ولا يصح من غيره، ونحن في بيعة حضرة السلطان ورعاياه، وندعو باسمه، ومعاشنا من خيره، ولكن يمكن أن تأذنوا لأمين فتوى المفتي الغائب الشيخ إبراهيم الغزي أن يكون قيِّمقام عنه، ولشاكر أفندي نائب الشرع أن يكون من طرف القاضي لحين وصوله، ولحموي زاده وكالة عن يوسف آغا جبري، فانفعل كثيراً وظهر الغضب على وجهه، وبعد ذلك ألبس حموي زاده فروة، وأمين الفتوى فروة، وشاكر أفندي فروة، وقرأنا الفاتحة، وخرجنا من عنده من تحت السيف.
ثم ثاني يوم الثلاثاء ٢٧ صفر نصب القنابر على القلعة وعلى البلدة، ووقع على سقف الجامع الأموي وأخرقوه، وهدم من الجامع ما هدم إلى ثاني يوم الأربعاء.
فعند الظهر ضاجت العالم وانتقلت، واشتد الرعب والخوف والاضطراب، وسَكَّرت البلدة. فلما رأينا ذلك توجه كاتبه سليمان المحسني إلى أرديه وقابلته، وقلت له: