أي لها صدر واسع كالطريق في الجبل تخال عليه مسحا من صوف، أو شعر، لكثرة ما عليه من الوبر. قال ابن رشيق في العمدة: إن الأصمعي خطأه فيه لأن من صفة النجائب قلة الوبر.
(ومنه) قول عمر بن لجإ من أرجوزة وصف فيها إبله، فجعلها كالجبال في عظم الخلق، ثم قال في فحلها:
كالظرب الأسود من ورائها
والظرب: الجبل الصغير، ولا يوصف الفحل بأنه أصغر من إناثه في الخلقة، وقد عابه عليه جرير، فكان أحد الأسباب التي أهاجت الهجاء بينهما. وتفصيل الكلام في ذلك في خزانة البغدادي (١: ٣٦١) .
(ومنه) قول طرفة بن العبد في وصف نعجة:
من الزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور
الزامرات: القليلات الصوف، وخصها بالذكر لأنها أغزر ألبانا.
والقادمان: الخلفان اللذان في الأمام، ويقال لما وراءهما: الآخران.
والمركنة: التي لها أركان. والدرور: الكثيرة الدر.
يقول: هذه النعجة أسبل خلفاها القادمان، وضرتها مملوءة تدر باللبن، وهذا من الخطأ، لأن النعجة ليس لها إلا خلفان، وإنما يصح ذلك في الناقة، لأن لها أربعة خلاف قادمان وآخران. قال المرزباني في الموشح بعد أن أورد هذا البيت: ((لا يكون القادمان إلا لما له آخران، وتلك الناقة لها أربعة أخلاف. ومثله قول امرئ القيس:
إذا مشت قوادمها أرنت ... كأن الحي بينهم نعي))
انتهى. قلنا: هو من أبيات قالها لما نبهت إبله، ووهبه بنو نبهان معزى بدلها. والمعنى: إذا مسحت قوادمها عند الحلب صاحت كما يصيح قوم لنعى أتاهم. والخطأ على هذه الرواية كالخطأ في قول طرفة، لأن المعزى ليس لها إلا خلفان، وهي رواية تفرد بها المرزباني. والمعروف: (إذا مشت حوالبها) ويروى: (إذا ما قام حالبها) . وما أحسن ما عزى امرؤ القيس به نفسه في ختام هذه الأبيات فقال:
فتملأ بيتنا أقطاً وسمنا ... وحسبك من غنى شبع ورى
(ومنه) قول رؤبة:
وكل زجاء سحام الخمل ... تبرى له في زعلات خطل
الزجاء: النعامة. وسحام الخمل: سوداء الريش. وتبرى: أي تنبرى وتتعرض. والزعلات: الخطل النشيطات المضطربات. يقول: هذه الإناث من النعام تنبرى وتتعرض للظليم _أي ذكرها_ وهي في طائفة من نوعها نشيطات مضطربات بالتلوى والتبختر. قال أبو هلال وابن عبد ربه وابن قتيبة: أخطأ في جعله للظليم عدة إناث كما يكون للحمار، وليس للظليم إلا أنثى واحدة.
(ومنه) قول ذي الرمة بصف حمراً وحشية:
فأقبل الحقب والأكباد ناشزة ... فوق الشراشيف من أحشائها تجب
حتى إذا زلجت عن كل حنجرة ... إلى الغليل ولم يقصعنه نغب
رمى فأخطأ والأقدار غالبة ... فانصعن والويل هجيراه والحرب
معناه: أقبلت الحقب _أي الحمر_ وأكبادها تضطرب خوفا من الصائد حتى إذا وردت الماء ودخلت منه نغب إلى أجوافها لم تكسر غليلها رماها فأخطأها وتفرقت عنه. قال أبو عمرو والأصمعي: وليس هذا من جيد الوصف لأنها إذا شربت ثقلت وإن كانت لم ترو: يريدان أن الثقل يقلل نشاطها في العدو ويمكن الصائد منها. فكأنه وصفها بما يفيد عكس ما أراد. وقد أصاب علي بن حمزة البصري في الرد عليهما في التنبيهات بما نصه: ((وهذا غلط إنما تثقل إذا رويت، وأما إذا شربت قليلا فإنه يقويها على العدو، ولولاه لهلكت عطشا. وقد زاده شرحا بقوله في غير هذه الكلمة:
فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها ... وقد نشحن فلا ري ولا هيم
ولولا صحة ما قال لم يقل العجاج:
حتى إذا ما بلت الأغمارا ... ريا ولما تقصع الأصرارا
أجلى نفارا وأنتحت نفارا))
انتهى. (ومنه) قول رؤبة:
كنتم كمن أدخل في جحرٍ يدا ... فأخطأ الأفعى ولاقى الأسودا
يريد: نجوتم من شر فوقعتم في أشد منه. قالوا: وقد أخطأ في ظنه الأفعى دون الأسود، وهي أشد مضرة ونكاية منه.
(ومما) خطأوا فيه المسيب بن علس قوله:
وكأن غاربها رباوة مخرم ... وتمد ثنى جديلها بشراع