للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أتذكرُ إذ قميصك جلدُ شاةٍ ... وإذ نعلاكَ من جلد البعيرِ

فقال: والله يا مولاي ما أدري ما قلت، ولا أدري ما تقوله أنت الساعة لي، غير أنه مدحني به مادح فمدحت به رئيس الرؤساء فضحك عميد الدولة حتى استلقى!

٨٥ - ورأيت أبا الحسن الوكيل عند بعض الأصدقاء وهما يشربان، ومع أبي الحسن فوطة كتان مغربية مقفصة مليحة، فمزحنا معه وقلنا له: هذه من غزل البيت! فقال: نعم يا سيدنا طاقه وضرطه! فضحكنا وقطعنا بذاك أكثر يومنا.

٨٦ - ولقي يوماً بعض الأجلاف نصر بن الطيب في الطريق، فقال له: يا سيدي البارحة آلمني هذا الموضع من رأسي، وكشف رأسه وترك يده على الموضع، وبقي مكشوف الرأس، فقال له الطبيب: أر رد عمامتك فكفاني الإيماء إلى الموضع من فوق العمامة!.

٨٧ - وخرج يوماً إلى بستان داره فقال للصعاد: احطط من هذا الفحل طلعاً فصعد له، فقال: قد ذكرت بهذا الطلع الجمار، فافتح جمارة الفحل واكسر لي من جانبها قطعة فقال له: يا سيدنا يموت الفحل، فقال: ما يصيبه شيء إذا أخذت لي من جانب جمارته، فامتنع وتعجب، فصفعه إلى أن فتح الجمارة وأعطاه منها طعمة، ومات الفحل بعد أيام، فقال: صدق والله الصعاد!

٨٨ - ودخل بعض الأنصار إلى العلوي البلخي فحين وقعت عليه عينه قال:

ذهبت قريشٌ بالمكارمِ كلَّها ... اللؤم تحتَ عمائمِ الأنصارِ

فقال: هذا جزاء أجدادنا في نصرتكم، وجزاؤنا الآن في قصدكم وخدمتكم! فخجل وحلف أنه ما قصد ذاك ولا عناه، وإنما بيتٌ طرأ على قبله فحكاه!

٨٩ - ودخل أبو نخيلة الراجز على مسلمة بن عبد الملك بن مروان، فقال له:

أمسلمَ إني يا بنَ كلِّ خليفةٍ ... ويا فارس الهيجا ويا جبلَ الأرضِ

شكرتك إنَّ الشُّكر حقٌّ على الفتى ... وما كلُّ من أقرضتهُ نعمةً يقضي

وألقيتُ لما أنْ أتيتكَ عارياً ... عليَّ لحافاً سابغ الطولِ والعرضِ

فأحييتَ لي ذكري وما كانَ خاملاً ... ولكنَّ بعضَ الذِّكر أهون من بعضِ

فقال له: ممن أنت؟ قال من بني سعد، أحد بني جمان، قال: فأين أنت من الرجز؟ قال: أرجز الناس! قال أبو نخيلة: فذهبت أنشده فسهوت، وأنشدته للعجاج، فلما أكثرت قال: حسبك أنا أعلم بها منك! فخجلت واستيقظت، ومقتني على الكذب وحرمني.

٩٠ - ولما قتل زيد بن المهلب أتى مسلمة برأسه، فقال رجل:

من سرَّ يوماً بزَّ به ... والدَّهرُ لا يغترُّ بهْ

فتطير مسلمة واغتم لذلك، فقال بعض من حضر، وقد رأى ما بمسلمة، يقيم عذر الرجل كم من رجل قد أتى هنا برأسه كذا! فكان قوله أشد على مسلمة من القول الأول، فنهض من مجلسه وانصرف.

٩١ - وقيل: خرج عبد الملك بن مروان يوماً قاراً، وعليه جباب خز متظاهرة، على علي بن عبد الله بن العباس، فقال عبد الملك: يا أبا محمد ندق أم دفر دقاً يعن الدنيا، تكنى بأم دفر، ثقة بالأمل والبقاء، فما مضت عليه جمعة حتى مات!

٩٢ - وأخبر المدائني: قال أبو بكر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان يوماً لبعض الناس: ما أحسن غرة فرسك! يعني التي في يده.

٩٣ - وقال: أتى رجل الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين إنك تعيش، أربعين سنة خليفة، فقال الوليد: لا يرضى أمير المؤمنين بضعف ذلك! فمات في أسبوعه.

٩٤ - وأخبر عن الجرمي عن أبيه قال: كنا مع عبد العزيز بن الوليد ومعنا حجر بن عقيل الرياحي، فقال عبد العزيز أو ابنه بشر: أنشدنا يا أبا بشير فأنشد:

فما أخرجتنا رغبةٌ عن بلادنا ... ولكنَّه ما قدرَ الله كائنُ

لحينِ نفوسٍ لم تجدْ متأخراً ... فلا تبعدنَ تلك النفوسُ الحرائنُ

فقلت له تطيرت: قطع الله لسانك وهلك عبد العزيز في وجعه ذلك.

٩٥ - وخرج زياد مع معاوية، فحدا الحادي:

قد أعلمتهُ الضمرُ الجيادُ ... أنَّ الأميرَ بعدهُ زيادُ

<<  <   >  >>