للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١٠١ - وحكى أبو عبيدة عن عمه عن أبيه عن الكلبي عن عوانة: أن زياداً بينا وهو جالس في قصره إذ برزت له كف قد عقدت ثلاثين، ثم غابت عنه، فقال زياد: إنا لله، نعيت إلى نفسي، أعيش ثلاثين يوماً أو ثلاثين شهراً أو ثلاثين سنة! فلمنا استوفى ثلاثين يوماً أمل ثلاثين شهراً، فلما بلغا اتفق أن قدم عبيد الله بن أبي بكرة، وكان عامله على سجستان، فأمر زياد سليماً مولاه بمحاسبته من ليلته، ثم أرسل إلى سليم فحضر فقال له: إني أجد وعكاً، فمسه، فإذا مثل لهب، النار في جسده، فتأمله فرآه قد طعن في إصبعه، فأتاه بمائة وخمسين طبيباً منهم ثلاثة قد أدركوا كسرى، فنظروا إليه، فقال بعضهم: دلوني على أنصح الناس له، فقالوا: سليم، فأخذ بيده وقال له: مر صاحبك بالوصية، فانطلق سليم إلى شريح القاضي فقال له: يا أبا أمية إن بعض الأطباء أخبرني أن الأمير مما به قد أمرني أن آمره بالوصية، وأنا أكره أن استقبله بذاك، ولك عنده منزلة، فإن رأيت أن تأمره بالوصية فافعل، فإنه ليس يتهمك! قال: نعم، وأمر زياد ببابيه ففتحا ودخل الناس يعودونه ويدعون له وينصرفون، ثم جاء شريح حتى قام على باب القبة فسام، ودعا ثم قال: أيها الأمير الوصية، فإن الله قد أمر بها، وليست تقدم شيئاً وليست تؤخره، فقال: نشدتك الله أتاك سليم فقال لك كذا وقال لك كذا وقال لك كذا؟ قال: اللهم نعم، فقال: قد أوصيت ثلاث وصايا نسختها واحدة، واحدة منها عند أمير المؤمنين، وواحدة مثلها عند المنجاب الضبي، ونسخ ابن الكلبي الثالثة وبضعهم عند حارثة بن بدر الغداني! ثم قال: أيتهن أصبتم فاعملوا بها، ثم دعا مهران كاتبه فقال: اكتب إلى أمير المؤمنين: "من زياد بن أبي سفيان أمات بعد: فإني كتبت وأنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من (أيام) الآخرة، وقد وليت الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، ووليت البصرة سمرة بن جند، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له سليم: أذكرك أيها الأمير إلا وليت عبيد الله ابنك فإنه ليس بدون هؤلاء في الفضل، فقال: اسكت، إن يكن فيه خير فسيوله عمه، وقدم الهيثم من الحجاز، فأخبر بذلك، فقال: ما أصنع بالهيثم وما معه! ولم يأذن له ومات من ليلته.

١٠٢ - وحدثنا أبو عبد الله الزبير بن أبي بكر بن عبد الله بن مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام قال: حدثني تعمي عن معافى بن نعيم أن والياً كان على اليمامة ولاه بلال بن جرير بعض أعماله، فجلس يوماً يحكم والخصوم كجلوس، إذ تمثل أحدهم:

وابنُ المراغةِ واقفٌ أعيارهُ ... مرمى القصيَّة ما يذقنْ بلالا

ولا يعلم أنه من ذاك بسبيل، فقال: أين هذا المتمثل، قال: هأنذا أصلحك الله، قال: ادن أنت وخصمك، فدنوا، فقال: هلم أعد البيت فغمره إنسان فقال: والله ما هو إلا شيء على لساني وما أردت بذلك مكروهاً! قال: هو أشهر من ذاك، هلم فاحتجا، وحكم بينهما.

١٠٣ - وحدث الزبير قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز بن مروان قال: حضر الأخطل عند عبد الملك بن مروان فأنشده:

ألا سائلِ الجحَّافَ هلْ هوَ ثائرٌ ... بقتلي أصيبْ من سليمِ وعامرِ

قال: واتفق أن كان الجحاف حاضراً فكلح في وجه الأخطل وقال مجيباً له:

نعمْ سوفَ نبكيهمْ بكلَّ مهَّندِ ... ونبكي عميراً بالرِّماح الخواطرِ

يعني عمير بن حبابٍ السلمي، ثم قال: لقد ظننت يا بن النصرانية أنك لم تكن لتجترئ علي ولو رأيتني لك مأسوراً، وأوعده، فما زال الأخطل من موضعه حتى حمَّ، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه.

١٠٤ - وحدث الزبير قال: حدثني عم مصعب بن عبد الله عن أبي نخيلة الراجز قال: قدمت على المنصور فأقمت ثلاثة أشهر لا أصل إليه، فقال لي عبد الله بن الربيع الحارثي: يا أبا نخيلة إن أمير المؤمنين يريد أن قدم المهدي ولده في العهد بين يدي موسى بن عيسى، فلو قلت شيئاً تحثه على ما يريد، ويؤكد عزمه كنت حرياً أن تخطى، فقال أبو نخيلة في ذلك:

دونكَ تعبد الله ذاكا ... خلافة الله الذي أعطاكا

أعطاكَ ربِّي وبها اصطفاكا ... فقد تنظرنا لها اباكا

ثم انتظرنا بعده إيَّاكا ... ونحن فيهم والهوى هواكا

نعرى فنستدري إلى ذراكا ... أسند إلى محمدٍ عصاكا

<<  <   >  >>