للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١٢٧ - وكانت الأكاسرة إذا امتحنت الواحد من أصحابها وخف على قل الملك، وكان عالماً بالحكمة موضعاً للأمانة في الدماء والفروج والأموال على ظاهره، وأحبوا أن يمتحنوا باطنه، أمر أحدهم بأن يحول الرجل إلى دار الملك وأن يفرد له حجرة يقيم بها مه غيره أن يفسح له في تحويل حرمه إليها، ويقول له: إني أريد الأنس بك في نهاري وليل، ومتى كان معك حرمة قطعتك عني، فاجعل منصرفك إلى منزلك في كل خمس ليال ليلة، فإذا تحول الرجل أنس به وخلا معه، وكان آخر من ينصرف من عنده، فيدعه على هذه الحال شهراً، ثم يمتحنه بالنسا: فامتحن أبرويز يوماً رجلاً من خاصته بهذه المحنة، ودس إليه جارية من جواريه ووجه معها إليه بألطاف وأمرها ألا تقعد عنده، ففعلت وانصرفت أنفذها في المرة الثانية بمثل ذلك، وأمرها أن تقعد بعد تسليم الهدية هنيهة، ففعلت، ولاحها الرجل وتملها وانصرفت، فلما كانت المرة الثالثة أمرها أن تطيل القعود عنده وأن تحدثه، فإنه أرادها على الزيادة في المحادثة أجابته إليها، وجعل الرجل يحد النظر إليها يسر بمحادثتها، ومن شأن، النفس أن تطلب الغرض بعد ذلك، فأبدى شيئاً كمن ذلك لها، فقالت: أخاف أن يعثر علينا، ولكن دعني حتى أدبر في هذا ما يتم به الأمر بيننا من غير أن يشعر بنا! وانصرفت فأخبرت الملك بكل ما جرى بينهما، فوجه غيرها من خواص جواريه، واعتمدت مثل ذلك، فلما جاءته المرة الأولى قال لها: ما فعلت فلانة؟. قالت: عليلة، فاربد لونه، وفعلت الثانية ما فعلت الجارية في المرة الأولى وفي الثالثة دعاها إلى ما دعا تلك الأولى فقالت: إنك من الملك قريب على خطىً يسيرة ومعه في دار واحدة، ولكن الملك يمضي بعد ثلاث إلى بستانه الفلاني فيقيم هناك، فإن أرادك على الذهاب معه فأظهر له أنك عليل، وتمارض فإن خيرك بين الانصراف إلى دور نسائك أو المقام هاهنا فاختر المقام ها هنا، وأخبره أنك لا تقدر على الحركة، فإن أجابك إلى ذلك جئت إليك كل ليلة، وأقمت عندك إلى آخر النهار، ما دما الملك غائباً عن داره، فسكن إلى قولها، وانصرفت، فأخبرت الملك بذلك، فلما كمان بعد ثلاث دعاه الملك فقال للرسول: أخبره أني عليل، فلما عاد الرسول بذلك تبسم أبرويز وقال: هذا أول الشر! فوجه غليه خفة حمل فيها غليه، وهو معصب الرأس، فلما بصر أبرويز به قال: والمحفة شر ثانٍ، وتبين العصابة فقال: والعصابة شر ثالث، فلما دنا من الملك سجد، فقال له: متى حدثت هذه العلة. قال: في هذه الميلة، قال له: فأي الأمرين أحب إليك، الانصراف إلى نسائك لتمريضك أو المقام هاهنا إلى وقت رجوعي؟ قال: المقام هاهنا أيها الملك أرفق بي لقلة الحركة، فتبسم وقال: ما صدقت، حركتك هاهنا إن تركت أكثر من حركتك إلى منزلك؟ ثم أمر له بعصا الزناة التي كان يوسم بها من زنى، فأيقن الرد بالشر، وأمر أن يكتب ما كان من أمره حرفاً حرفاً، فيقرأ على الناس إذا حضروا، وأن ينفي إلى أقصى المملكة، وتجعل العصا في رأس رمح يكون معه أين كان، ليحذر منه من لا يعرفه، فلما نفى من المدائن أخذ من بعض الموكلين به مدة كانت معه فجب بها ذكره، وقال من أطاع عضواً صغيراً من أعضائه فسد عليه جميع أعضائه، ومات من ساعته.

<<  <   >  >>