للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢٥٣ - شكا الكتاب إلى الفضل بن مروان ما يلقونه من حدة أحمد ابن الخصيب وعجلته وسفهه وتخلفه، فقال: كيف لو رأيتم محمد بن جمثيل وهو يلي ديوان الخراج، وقد أنكر على كاتب له حرفاً كتبه فأخذ النعل وقام إليه، وعدا الكاتب بين يديه، وجعل يتبعه وهو يدور حول بستان كان في صحن الدار، فلما أيا الكاتب قال له: أنا كتب أو وحش يصاد١ فاستحيا منه ورجع عنه.

٢٥٤ - وحدث إبراهيم بن المدبر قال: دعاني صاعد بن مخلد يوماً فوجدت عنده ابن الخصيب، وقدمت إليه المائدة وعليها هليون، فأكب أ؛ مد عليه واستكثر منه، فقلت: أراك محباً له؟ قال: نعم، هو يزيد في البهاء! أراد: الباه، فعجبت من سخنة عينه! ثم قدم الشراب، فغنت المغنية:

إن العيونَ التي في طرفها مرضٌ ... قتلننا ثمَّ لا يحيينَ قتلانا

فقال أحمد: هذا الشعر لأبي، فقلت: قاتل الله جريراً ما كان أكثر ما يسرق من شعر أبيك!

٢٥٥ - وحكى أبو عمرة صاحب المظالم قال: ألحَّ الناس بسر من رأى على أحمد بن الخصيب في الجلوس لهم والوقوف على قصصهم والنظر في ظلاماتهم، فقال لجماعة من بني هاشم وأولاد المهاجرين والأنصار: ادفعوا قصصكم إلى أبي عمرة ليأخذ جوامعها ويضمنها تذكرة يعرضها عليَّ لأوقع فيها بما تنتجز به أموركم، فسكنوا إلى ذاك، وجاءوني بقصصهم، فعملت جوامعها في ثلث قرطاس وجئته به فوضعته بين يديه، ولم يوقع فيه وطالبني القوم يما فعلته في حوائجهم فعللتهم ووعدتهم، فأغلظوني وأسمعوني، وشكوت ذلك إليه، ووعدني بإنقاذ الجوامع موقعاً فيها؛ ثم أنقذها مختومة ففضضتها، فإذا هو قد وقع تحت باب (بني هاشم): "هشم الله وجوههم! " وتحت باب (المهاجرين): "هجرهم الله" وتحت باب (الأنصار): "لا نصرهم الله" وفي غير ذلك من الأبواب نسب أصحابها، فبقيت واجماً حائراً، وخلوت ببعضهم وتوثقت منهم وخرجت إليهم بالسر في ذلك، واستحلفتهم على كتمان ما ذكرته لهم منه، فعذرني العقلاء، واستزادني الجهلاء، وانبسطت الألسن بالدعاء عليه، والوقيعة فيه والظلامة منه.

٢٥٦ - حدث عبد الواحد بن محمد قال: حدثني أبي قال: تشكى حجاج بن هرون صاحب ديوان الزمام على الخراج، فجئناه عواداً، ووجدناه يصلي الضحى، وابنه هرون جالس، فسألناه عن خبر أبيه، فقال: لحقته حمى واعتقال، فأشار حجاج إلينا وهو في صلاته ثم قال: عوعوعو! يريد أ، هـ أكل لحم جزور، فقال ابنه: نعم أكل لحم جزور فأفعله.

وحدث أيضاً قال: حدثني نصر بن الحجاج قال: أقرأني عيسى بن فرخانشاه كتاب حجاج بن هرون إليه وقد عنونه "بخادمك وولي نعمتك حجاج بن هرون"!

٢٥٧ - وحدث أحمد بن الخصيب أن حجاجاً صاح به يوماً في الديوان: ي أبا إسحق، ابن بويب من أيوه؟ فقلت له: بويب! قال: صدقت والله.

قال: وعصفت الريح يوماً وأخذت من بين يديه رقعة رفعتها في الهواء فلم تلحق إلا بعد سقوطها بعد زمان، فأقبل على الريح وقال: ما عرفك إلا سليمان بن داود الذي حبسك حتى أكلت خراك! قال: وكان يطلب العمل والرقعة فإذا تعذر عليه وجوجه قال: سبحان من يدع الشيء في موضع فإذا طلبه لم يجده سبحانه! قال: وكان يقول لخازن الديوان إذا طلب منه عملاً: أين الاهن الاهنة الايش اسمه الما يقال له!

٢٥٨ - ودخل عليه يوماً أبو العيناء فحادثه، وجرى ذكر الرطب، فقال الحجاج: أطيب الرطب ما دق أنوائها ورق لحائهاّ فقال له أبو العيناء: يا أبا محمد ما كنت أعرفك تحسن النحو، وأراك قد تعلمته! فقال: نعم تعلمت من معلم الصبيان، قال: ففي أي باب الصبيان اليوم منه؟ قال: في باب الفاعل والفاعلة! فقال: إذن فهم في باب والديهم! وقال أبو العيناء: قلت له يوماً قد قطعتني لغير ذنب! فقال: لا والله ما يمنعني من التوالي عنك إلا الشغل!

٢٥٩ - وحدث المبرد قال: حدثني نفيس الكاتب قال: وصف حنين بن إسحق الطبيب لحجاج معجوناً وواقفه على أخذ وأن يؤخر غداءه إلى وقت الظهر ويعرفه خبره بعد ذلك! قال حنين: فكنب إلي رقعة يقول فيها: "شربت الدواء وأكلت قليل كسرة، واختلفت كرامة لوجهك أربعة: أحمر وأخضر مثل السلق، ووجدت مغساً، ورأيك في إنكار ذلك على بطني إن شاء الله! " فلم أدر بما أجيبه، وقلت للرسول: أقره السلام وقل له: نلتقي غداً إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>