للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢٩٠ - وحدث ابن خربان الأهوازي قال: كان في أبواب المال بالأهواز جهبذ يعرف بابن واصل، تمت عليه حيلة في تزوير، وبقي عليه منه باقٍ، وطولب به فأدى بعضه وفلج في باقيه؛ وكان أبو عبيد الله الشيرازي صاحب ديوان الأهواز لمعز الدولة أبي الحسن بن بويه، وله عادة في سجع الكلام دائمة كثيرة جارية في ديوان العيوب والحماقة، لا ديوان الفضل والكتابة، وله فيها أخبار وحكايات غريبة عجيبة، فسئل في أمر ابن واصل وإنظاره فأجاب، ثم صار يقول إذا دعاه: "هاتوا ابن وصل وطالبوه بما عليه من الحاصل! "فيحضر ذلك المسكين ويحبس، ويطالب للسجع المشؤوم، ثم يؤخذ منه شيء قريب، ويسأل فيه فيفرج عنه، ثم يعيد السجع فيعود القبض والحبس! وقال يوماً: يا سيدنا أنا أعرف بابن بهية اسم والدته وأسألك أن تعفيني من الدعاء باسم أبي وتنقل ذكري إلى اسم أمي! فقال: حباً وكرامة، وصار يقول: يحضر ابن بهية ويطال بالبقية! فعاد الرجل فيما كان فيه من جهة الأب، وجرت عليه المطالبة بذلك السجع مرات وكرات! فقال: يا سيدنا أنا أنتقي من والدي وأسألك ألا أدعى باسم واحد معهما!! فضحك منه وأمسك عنه.

٢٩١ - وكان لبنجاسب أحد قواد الديلم الأكابر كاتب بعرف بأبي الرعاقل الطحري، فاستدعاه أبو عبيد الله يوماً وطالبه بفاضل القطاع بنجاسب وقال له: "على صاحبك من فضل الاقطاع ما قد كشف في طلب كسره القناع" فقال له: لا تقل مثل هذا فإن صاحبي معرف، وهو ابن عم الأمير، ولا يلبس بحمد الله مقنعة قط، ولا هو مخنث! فقال له: يا جاهل ومن قال إنه يلبس المقنعة؟ فقال: أنت الساعة، وستعلم من هو الجاهل! وقام مبادراً وجاء إلى صاحبه فقال له: يا قائد اقتلني بين يديك ولا أسمع فيك الكلام الرديء القبيحّ! فسأله عن ذلك، فقال: أ، ت بنجاسب بن يعقوب لنا مالح خالص فرابة الأمير يقول أبو عبيد الله فيك في الديوان والناس حضور يسمعون إنك مخنث تلبس المقنعة وقد كشفها عن رأسك بسبب فاضل إقطاع لا يجب علينا! فثار بنجاسب كالمجنون، وكان قد شرب أقداحاً، وأخذ في يده خشتاً، وركب دابة النوبة، وأسرع يطلب أبا عبيد الله لفتك به، ورآه قوم من القواد وعرفوا خبره، فأمسكوه وهو يجاذيهم وقالوا له: هذا لا يحسن بك، ويجب أن تمضي إلى الأمير وتعرفه ما جرى، فإن هو أجابنا إلى ما نريده في هذا الرجل، وإلا كان هذا بيدك لم يفتك منه شيء، وعدلوا به إلى دار الأمير معز الدولة، وصارت فتنة عظيمة، وبين لبنجاسب معنى الكلام بالفارسية، فلم يقبل، ولم يصغ إلى قول أحد إلى قول كاتبه، إلى أ، حضر أبو بكر السيرجاني كاتب الإنشاء، وكان موقراً عندهم، وحدث بالحديث فقال: أن أحل هذه العقدة! ودخل الدهليز فرأى بنجاسب على ما هو عليه من الامتعاض والغيظ، فسأله عن حاله فأعاد عليه ما قاله أبو عبيد الله لكاتبه، وقال: جعلني مخنثاً ألبس المقنعة! ولئن لم ينصفني الأمير منه لأقتله وأعود إلى ديلمان! فقال أبو بكر: أما كاتبك فأحسن الله تعالى جزاءه كيف حمي لصاحبه وامتعض له، إلا أنه ذهب عليه المعنى لأنه كاتب حاسي، ولا يعرف كلام العرب، والقناع في لغتهم السيف، وأبو عبيد الله يتكلم دائماً بما لا يفهمه غيره! ولم يزل يداريه ويحمد الكاتب على فعله حتى قبل منه وقال له: قد صدقت، وكأني ما عرفت هذا، ولا تلزمه معرفته، وكذا يكون الكاتب الناصح، إذا سمع كلمة في صاحبه قلق لها ولا يحتملها! وانصرف بنجاسب إلى داره، فخلع على كاتبه وأعطاه دابة يركبها، وكان من قبل راجلاً!

٢٩٢ - حدثنا أبو الفتوح منصور بن محمد المقدر الأصفهاني قال: كان بالري شاهد يعرف بأبي محمد الصفار، فشكاه قوم إلى الصاحب أبي القاسم شكوى أكثروا فيها ورفعوا إليه القصص بها، فوقع على أحدها: "إن كان ذاك دأب أبي محمد الصفار فالري ليست به بدار" وبلغ أبا محمد خبر التوقيع فأقل الفكر فيه والانزعاج له وقال: وقال ما أردابي الصاحب بما وقع به ولا اعتقد لي سوءاً فيه، وإنما طلب السجع فكتب بما كتب! وكان الأمر على ذلك.

٢٩٣ - وحدثنا أبو الفتوح بن المقدر قال: أشيع بالبصرة عند ورود فخر الدولة والصاحب إلى الأهواز بأن الصاحب يرى رأى المعتزلة ويكفر الطوائف المخالفة، إيحاشاً منه وتنفيراً لهم عنه، وبلغه ذاك فقال:

بثُّوا أحاديثَ غيرَ متَّفقهْ ... وفَسَّقُونا وكلُّهُمْ فَسقَهْ

<<  <   >  >>