للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأرض، ودوامهما ليس أبدياً؟ ثم لماذا استثنى من الخلود ما أرادت مشيئة الله عدمه؟ وهل هناك من يشاء الله عدم خلودهم في النار؟

نقول: هذه الكلمات مؤكدة لمفهوم الخلود الأبدي للكفار في النار والخلود الأبدي للمؤمنين في الجنة، وجاء هذا التأكيد بصورة جديدة.

إن الآيات تريد أن تقرر للناس الذين يعيشون في هذه الحياة أن الخلود يوم القيامة خلودٌ أبدي، لا ينتهي ولا يزول، ولكن بعض الأفهام لن تدرك ذلك، وبعض الخيالات عاجزةٌ عن تخيُّله: أبديٌّ دائم! كيف؟ ملايين السنين! أحقاب طويلة! ...

أرادت الآيات أن تقرَّب هذا الأمر إلى أذهان الناس وأفهامهم، وأنها تريد أن تقول لهم: ما هي أطول المخلوقات التي ترونها عمراً؟ وما هي أكثرها دواماً؟ إنها السموات والأرض التي مرّ عليها حتى الآن ملايين السنين، ولا يعلم إلا الله كم بقي من عمرها! وكأنَّ الآيات تقول لنا: إن خلود الكفار في النار طويلٌ طويل، ودائمٌ دائم، ويُقرب لكم طوله وديمومته الالتفات إلى ديمومة السموات والأرض، أطول المخلوقات عمراً في الدنيا، وأكثرها دواماً.

أما تشابه الخلود بديمومة السموات والأرض في انقضائه وزواله كما تزول السموات والأرض في المستقبل، فهذا لم تُرده الآيات، ولم توحِ به، وهو يتعارض مع آياتٍ أخرى، تقرر خلودهم الأبدي الدائم.

أما تعليق خلودهم بمشيئة الله في قوله: {إلا ماشاء ربك} فلا يعني تحقق هذا الاستثناء عملياً، وإنما جيء به لمعنى اعتقاديٍّ أساسيٍّ أصيل، يتعلق بصفات الله سبحانه: إن مشيئة الله طليقةٌ لا يقيدها شيء، وإن إرادته سبحانه نافذة لا يعجزها شيء، فهو الذي أدخل الكفار في النار، وقرر خلودهم الأبدي فيها، ولو شاء الله أن يخرجهم منها لأخرجهم، إذ لا يمنعه من

<<  <   >  >>