أي: كالسيف السريجي في الدقة والاستواء, أو كالسراج في البريق واللمعان. والشيب, جمع أشيب: وهو ها هنا المتغير لون الوجه على سبيل الاستعارة. والقداح, جمع قدح بالكسر: وهو السهم قبل أن يراش. وتقلقل القداح: تحريكها واضطرابها, ومن لازم ذلك تصويتها. والياسر: الذي يجيلها ويفرقها, فعله يسر-بالفتح-ييسر بالكسر.
والمعنى على تشبيه الذئاب العاوية الضامرة من الجوع بقداح الميسر المصوتة عند اضطرابها في كف المفيض: وهو الياسر, فقوله: "تقلقل" لا يتم المعنى بدونه. و "مهللة" بالرفع, من صفات النظائر.
أو الخشرم المبعوث حثحث دبره ... محابيض أرساهن سام معسل.
الخشرم-بالخاء والشين المعجمتين-النحل والزنابير, واحدته بهاء والمبعوث: الذي هيج من محله. والدبر-بالفتح-جماعة النحل والزنانبير وبكسر الدال أيضاً فيهما.
والأليق بالنظر إلى الدبر أن يفسر الخشرم بمأوى النحل هنا, أو بأميرها, وهما من معاني الخشرم أيضاً.
وحثحثة الدبر: تحريكه بالمحابيض, بالضاد المعجمة, جمع محبض بزنة "منبر" , وهو عمود يشار به العسل ويطرد به الدبر. وإرساء المحابيض: إثباتها. والسامي المعسل: المرتقي لطلب العسل, كالمستعسل ف "الخشرم" معطوف على "قداح".
والمعنى على تشبيه الذئاب النحل في حالة عوائها بأمير النحل الذي حرك دبره بالأعواد المسماة بالمحابيض مريد عسلها, وصوت النحل إذ ذاك متوفر متواتر وتشبيهها بالنحل المبعوث أدل على شدة صوتها من تشبيهها بالقداح المضطربة في كفي الياسر.
مهرتة فوٌه كأن شداقها ... شقوق العصي كالحات وبسل.
المهرتة الواسعة الأشداق. والفوه, جمه أفواه وفوهاء: للواسع الفم ومن تخرج أسنانه من شفتيه مع طولها. وصفة ذلك: الفوه بالتحريك. والكالحات: المتكشرات في عبوس. والبسل: جمع باسل: وهو الكريه المنظر هنا.
وصف الذئاب بسعة الأشداق, وببروز أنيابها لطولها من شفتيها, وبالعبوس وكراهة المنظر من أجل سعة أفمامها حتى أشبهت أشداقها شقوق العصي في الطول مع التزاق أحد الشقين بالآخر.
فضج وضجت بالبراح كأنها ... وإياه نوح فوق علياء ثكل.
الضجيج: صياح الجازع والمغلوب. والبراح: الفضاء. والنوح جمع نائحة. والعلياء: المكان العالي. والثكل, جمع ثاكل: وهي الفاقد لولدها.
ويقول: فصاح الذئب صياح محزون, وصاحت معه النظائر النحل في الفضاء في حال كونها وإياه تشبه نساء فاقدات لأولادهن نائحات عليها فوق مكان مشرف, وهذا الضجيج غير دعائه وإجابتها لأن ذلك إجابة للصوت من بعيد. وهذا بعد الاجتماع, ولذلك رتبه على ما تقدم بالفاء التي تقتضي التسبيب.
فأغضى وأغضت وابتسى وابتست به ... مرامل عزاها وعزته مرمل.
أغضى-بالغين والضاض المعجمتين- أدنى الجفن من الجفن. وأغضى الشيء: سكت عنه. وابتسى-بالموحدة التحتية قبل المثناة الفوقية-أنس, كبسأ بزنة: "جعل" و "فرح". وهو في الأصل مهموز فسهل الهمزة ألفاً هنا ضرورة. والمرامل: التي نفذ زادها, واحدها مرمل "فمرامل" فاعل "ابتست". "ومرمل" فاعل "عزاها".
يقول: فأغضى الذئب, وأغضت الذئاب: أي سكتت بعد الصياح مدنية لجفونها, وأنس هو بها, وأنست به, مقفرات من الطعام, صبرها مقفر مثلها, وصبرته هي.
ويصح أن يكون "مرامل" خبر مبتدأ محذوف, أي "هي مرامل" , وهو أولى لسلامته من وضع الظاهر وضع المضمر, والله أعلم سبحانه.
وأولى من التقديرين أن يكون منصوباً على الحال من فاعل "ابتست" وهو ضمير الذئاب.
شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت ... وللصبر إن لم ينفع الشكو أجمل.
الإرعواء: النزوع عن الجهل, وحسن الرجوع عنه.