كَالْحُرِّ حَتَّى لَا يَحْتَمِلَ الْبَيْعَ فَكَانَ هُوَ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْمَوْلَى بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ، وَالرِّقِّ إلَّا أَنَّ النُّقْصَانَ هُنَا فِي الْإِضَافَةِ بِمَعْنًى خَفِيٍّ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْقَضَاءِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَلَامِ بِدُونِ النِّيَّةِ.
وَفِي الْمُكَاتَبِ النُّقْصَانُ بِسَبَبِ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ لَهُ فِي مَكَاسِبِهِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْشَاءُ الْعِتْقَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْمُدَبَّرِ مِنْ وَجْهِ تَعْجِيلٍ لِمَا اسْتَحَقَّهُ مُؤَجَّلًا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ نَوَى مَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ، وَجْهٍ خَاصَّةً، وَذَلِكَ أَمْرٌ فِي ضَمِيرِهِ خَاصَّةً فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُقَيَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِعَبْدَيْنِ أَنْتُمَا حُرَّانِ إلَّا سَالِمًا، وَهُوَ اسْمُ أَحَدِهِمَا كَانَ سَالِمٌ عَبْدًا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ عِبَارَةٌ عَمَّا، وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَقَدْ بَقِيَ سِوَى الْمُسْتَثْنَى عَبْدٌ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ: سَالِمٌ حُرٌّ، وَمَرْزُوقٌ حُرٌّ إلَّا سَالِمًا عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ بِمَا ذُكِرَ لَهُ مِنْ الْخَبَرِ فَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا سَالِمًا اسْتِثْنَاءً لِجَمِيعِ مَا تَنَاوَلَهُ أَحَدُ كَلَامَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْطِيلٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِلتَّحْصِيلِ، وَالْبَيَانِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَبْقَى سِوَى الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ الْكَلَامُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَالِمٌ، وَمَرْزُوقٌ حُرَّانِ إلَّا سَالِمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ هُنَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَاحِدٌ هُنَا مَعْنًى حِينَ أَخَّرَ ذِكْرَ الْخَبَرِ حَتَّى عَطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَكَرَ مَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمُسْتَثْنَى فَعَرَفْنَا بِهِ أَنَّ كَلَامَهُ وَاحِدٌ مَعْنًى فَكَأَنَّهُ قَالَ هُمَا حُرَّانِ إلَّا سَالِمًا فَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَبَدًا وَلَيْسَ لِلْأَبَدِ نِهَايَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَفِي الْعُرْفِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَوْتِهِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعِتْقَ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ كَالطَّلَاقِ فَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُ الْمَمْلُوكَ مِنْ شِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى وَقْتٍ أَوْ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عِنْدَ، وُجُودِهِ كَالْمُنْجِزِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ، وَإِقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ فَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرِي مَمْلُوكًا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ شِرَاءً بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، وَالْعَاقِدُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ نَوَى الْحُكْمَ، وَهُوَ الْمِلْكَ بِمَا ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute