للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَبِيعَ، وَلَدَهَا؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَخْصٍ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَخْصَيْنِ، وَهُنَا إنَّمَا يَبِيعُ الْعَدْلُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَحُكْمُ الرَّهْنِ ثَبَتَ فِي الْوَلَدِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الْوَلَدَ مَعَ الْأَصْلِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ فَلِهَذَا مَلَكَ بَيْعَ الْوَلَدِ مَعَهَا إلَّا أَنَّ الْمَرْهُونَ لَوْ قَتَلَهَا عَبْدُهُ فَدَفَعَ بِهَا كَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الْمَدْفُوعَ، وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِهَا قَتَلَهَا عَبْدُهُ، فَدَفَعَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْبَدَلِ فِي سَرَيَانِ حُكْمِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الزَّوَائِدَ الْمُتَوَلَّدَةَ مِنْهُ حِينَ الرَّهْنِ تَكُونُ مَرْهُونَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهَا كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي الزِّيَادَةِ، وَالرَّاهِنُ أَحَقُّ بِهَا لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» فَإِطْلَاقُ إضَافَةِ الْغُنْمِ إلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَحْضُ حَقٍّ لَهُ.

وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ، وَمَحْلُوبٌ»، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَحْلُوبٌ لِلرَّاهِنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُهُ وَيَحْلِبُهُ نَفَقَتُهُ»، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْكَسْبِ، وَالْغَلَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالرَّهْنِ حَقُّ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَأَكَّدٍ فِي الْقِيمَةِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَحَقِّ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ، وَحَقِّ الدَّفْعِ فِي الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ، وَحَقِّ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَهُوَ مُتَأَكَّدٌ فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ هِيَ الْمَمْلُوكُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا: أَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ عِنْدَكُمْ لَا يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْكَفَالَةِ، وَهَذَا عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْإِجَارَةِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَبِتَفْصِيلِ الْوَصِيَّةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْوَلَدِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَسْرِي إلَى الْبَدَلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَحَقُّ الْجَارِيَةِ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ مُعَاذٍ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخِيلًا فَأَثْمَرَتْ أَنَّ الثِّمَارَ رَهْنٌ مَعَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ فَوَلَدُهَا رَهْنٌ مَعَهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَأَكَّدٌ فِي الْعَيْنِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَذَلِكَ الرَّاهِنُ، وَبَيَانُ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ أَنْ تُوصَفَ الْعَيْنُ بِهِ يُقَالُ: مَرْهُونٌ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، كَمَا يُقَالُ: مَمْلُوكٌ لِلرَّاهِنِ، وَلِهَذَا يَسْرِي إلَى بَدَلِ الْعَيْنِ، وَدَلِيلُ التَّأْكِيدِ أَنَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، لَا يَمْلِكُ إبْطَالُهُ.

(وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ) مَا قَرَّرْنَا أَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِيقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>