للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ

(قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -): فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُ إشْكَالٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي فِي أُمِّ الْمَقْتُولَةِ إنَّمَا انْقَسَمَتْ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا نِصْفَيْنِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْوَلَدِ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ، وَلَمْ يَبْقَ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَقْتُولَةِ هَلَكَ، وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا وَهُوَ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ، وَبِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ، وَبِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَخْرِيجُ الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْمَشْغُولَ مِنْ الْمَقْتُولِ رُبْعُهَا؟ (قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -): وَاَلَّذِي تُخُيِّلَ لِي بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: أَنَّ جِنَايَةَ الْقَاتِلَةِ عَلَى الْمَقْتُولَةِ فِيمَا جُعِلَ هَدَرًا يَكُونُ كَجِنَايَةِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ هَدَرٌ بِاعْتِبَارِ جِنَايَةِ مِلْكِهِ، وَيَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ فِعْلُ الْمَمْلُوكِ كَفِعْلِ الْمَالِكِ وَلِأَجْلِهِ جُعِلَ هَدَرًا، وَفِعْلُ الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْفِكَاكِ فَيَتِمُّ بِهِ ذَلِكَ الِانْقِسَامُ، وَلَا يَبْطُلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَمَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ جِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ مِنْ أَصْلِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ، فَيَكُونُ هَذَا كَجِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى وَدِيعَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ إذَا تَقَرَّرَ، فَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ إذَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ عِنْدَ الْغَاصِبِ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَكَانَ مُعْتَبَرًا، فَأَمَّا ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَيْنِ، فَكَحُكْمِ الْأَمَانَةِ. (أَلَا تَرَى): أَنَّ تَقَرُّرَ هَذَا الضَّمَانِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ لِلْمُرْتَهِنِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ جِنَايَتَهُ حَصَلَتْ عَلَى عَبْدٍ غَيْرِ مَالِكِهِ؛ فَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ إلَّا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا.

وَإِذَا ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: بِخَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ، وَارْتَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَا الْقَاتِلَ مَكَانَ الْمَقْتُولِ، وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي الْقَاتِلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَيَا الْقَاتِلَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْقِيمَةُ هُنَا مَكَان الْمَقْتُولِ، وَكَانَ الْقَاتِلُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ رَهْنٌ عَلَى حِدَةٍ مَعْنَاهُ: أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَفَرِّقَةٌ وَالدَّيْنَ مُخْتَلِفٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْبُوسٌ بِغَيْرِ مَا كَانَ الْآخَرُ مَحْبُوسًا بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ جِنْسُ الدَّيْنِ مُخْتَلِفًا: بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، فَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ إذَا اتَّفَقَ جِنْسُ الْمَالَيْنِ.

(أَلَا تَرَى): أَنَّهُ لَوْ أَدَّى مَا عَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَكَّهُ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونًا عِنْدَ رَجُلٍ آخَرَ، فَاعْتِبَارُ جِنَايَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مُفِيدٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ جِنَايَةِ عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>